نبض أرقام
04:02 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/23
2024/11/22

"مابين الحظ والمهارة".. كيف يتفوق الهواة على المحترفين في سوق الأسهم؟

2019/07/06 أرقام - خاص

في عام 2006 طلبت منصة تداول الأسهم الأمريكية "ترادينج ماركتس" من 10 أشخاص غير محترفين اختيار كل منهم خمسة من الأسهم المتداولة في البورصة الأمريكية، بغرض معرفة ما إذا كان بإمكانهم التفوق على السوق.
 

وفاز بهذه المسابقة سيدة تبلغ من العمر 32 عاماً، حيث ارتفعت قيمة الأسهم التي اختارتها بنسبة 43.4% متفوقة بذلك على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" الذي ارتفع بنسبة 13.6% فقط، محققة أيضاً أداءً أفضل من أداء أكثر من 90% من مديري الأموال في وول ستريت.



 

هذه السيدة لم تكن هي الوحيدة التي حققت نتائج جيدة. فقد تمكن أربعة من زملائها العشرة من تحقيق عوائد أفضل من مؤشر "ستاندرد آند بورز"، وتفوقوا أيضاً على ما يقرب من ثلثي مديري الأموال وفق الطريقة النشطة.
 

وعلى الرغم من أن هذه المسابقة لم تكن سوى وسيلة دعائية من جانب الشركة إلا أن نتائجها تثير سؤالاً غاية في الأهمية والجدية وهو: كيف تمكن مجموعة من الهواة من التفوق على غالبية المستثمرين المحترفين في اختيار أفضل الأسهم في السوق؟
 

لماذا يعجز الهواة أو غير المحترفين عن التفوق على أطباء الأسنان أو المحاسبين أو المهندسين في أعمالهم بينما باستطاعة شخص ربما يسمع بسوق الأسهم لأول مرة في حياته القيام بعمل أفضل من خبراء الاستثمار في اختيار أفضل الأسهم؟
 

الاستثمار والحظ
 

في كتابه الشهير "معادلة النجاح" يشير "مايكل جاي موبوسين" إلى أن إجابة هذا السؤال تكمن في حقيقة أن الاستثمار بسوق الأسهم هو بالأساس نشاط يعتمد في جزء كبير منه على الحظ خاصة على المدى القصير.
 

الفارق الأبرز بين الحظ والمهارة هو الاستمرارية. فمن خلال فحص مدى استمرارية الفعل يمكننا تحديد ما إذا كان يقع على جانب الحظ أو جانب المهارة أو في مكان ما بينهما.
 

هناك أشياء تعتمد على الحظ كلياً كألعاب القمار مثلاً، في حين أن هناك أشياء أخرى تعتمد بشكل أساسي على المهارة كمسابقات السباحة، فدائماً يفوز أسرع سباح. أما أكثر النتائج التي نحصل عليها في حياتنا فتقع في الوسط بين الحظ والمهارة.
 

تعتمد درجة قرب أي نشاط من الحظ والمهارة على الاستمرارية. فإذا تمكن الشخص من تحقيق نفس النتيجة مرة وراء أخرى يصبح فعله أقرب إلى المهارة من الحظ. ولذلك كي نقول إن السيدة التي فازت بالمسابقة التي ذكرناها بالأعلى بارعة في اختيار الأسهم يجب أولاً أن تحقق نفس النتيجة أكثر من مرة.



 

في عام 2010 نشر الاقتصادي الأمريكي الحائز على نوبل في العلوم الاقتصادية "يوجين فاما" بالتعاون مع الاقتصادي "كينيث فرينش" ورقة بحثية تحت عنوان "الحظ مقابل المهارة"، قاما خلالها بتحليل أداء أكثر من 3 آلاف صندوق مشترك في الولايات المتحدة خلال الفترة ما بين عامي 1984 و2006.
 

أوضحت الورقة أن أداء صناعة الصناديق المشتركة بشكل عام تفوق على أداء السوق ولكن بمقدار الرسوم التي تم فرضها على المستثمرين نظير إدارة أموالهم. وداخل صناعة الصناديق المشتركة نفسها تفوقت صناديق على أخرى. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن؟ الصناديق الأفضل أداءً، حققت ذلك بفضل الحظ أم المهارة؟
 

أشار "فاما" و"فرينش" إلى أن 3% فقط من تلك الصناديق هي التي تمكنت من التفوق على السوق باستمرار خلال الفترة المشار إليها، في حين أن أداء باقي الصناديق التي تمكنت من التفوق على السوق يمكن عزوها إلى الصدفة العشوائية.
 

حدود المهارة
 

ما سبق يعني أنه على عكس ما يعتقده البعض فإن الحظ يلعب دوراً كبيراً في الاستثمار. كلنا كمستثمرين نعتمد على مهاراتنا وخبراتنا أثناء اختيار الأسهم، ولكن ما الذي يحدد أسعار الأسهم وسرعة ارتدادها إلى قيمتها العادلة؟ هل هي تغطية المحللين أم موجة صعودية بالسوق أم إدارك المستثمرين لقيمة السهم؟ كل العوامل السابقة تعتمد بشكل كبير على الحظ، وقد تحدث بعد أيام من امتلاكنا السهم أو بعد شهور وربما سنوات.
 

الحظ لعب دوراً كبيراً لصالح ذلك المستثمر الذي قرر دخول السوق وهو في أسفل دورة الهبوط، مما مكنه من تحقيق مكاسب هائلة بمجرد ارتداد السوق إلى الأعلى. ببساطة لا يمكن لأحد مجاراة السوق ودخوله في التوقيت المثالي إلا إذا كان محظوظاً بشكل كبير.

 

 

كمستثمرين محترفين، نحن نحاول بذل قصارى جهدنا في اختيار أفضل الأسهم التي نعتقد أنها سيرتفع سعرها.

وما يحدث في الواقع هو أن بعض هذه الأسهم يخسر وبعضها يرتفع قليلاً أو يرتفع بنسبة كبيرة، ففي حين أن هناك أسهماً تنطلق بسرعة الصاروخ. امتلاكك لواحد أو أكثر من النوع الأخير يعود في الحقيقة إلى حظك أكثر من مهارتك، لأنك ربما لم تتوقع أصلاً هذه الانطلاقة الرهيبة.

 

أيضاً من بين المشاهد التي يبرز فيها بوضوح دور الحظ هو تجنبنا للكوارث في آخر لحظة. كم مرة قررت الخروج من سهم معين وتصفية حيازتك منه لأي سبب، ربما لحاجتك إلى المال مثلاً، وبعد القيام بذلك مباشرة تراجع السهم خاسراً أغلب قيمته.
 

البعض قد يتساءل: إلى أي مدى لعب الحظ دوراً في بناء ثروات مستثمرين عظام كـ"وارن بافيت"؟ وهو ما يجيب عنه المستثمر الأمريكي "مايكل موبوسين" قائلاً: "إن كل المكاسب المذهلة بما في ذلك تلك التي حققها بافيت هي نتاج الكثير من المهارة والكثير من الحظ".
 

القاعدة الثالثة
 

لكي لا يسيء البعض الفهم، نحن لا نقول هنا إن الاستثمار هو مجرد لعبة حظ لأن هذا ليس صحيحاً. فهناك بعض المستثمرين الذين يتمكنون باستمرار من التفوق على السوق باستخدام مزيج من المهارات والحدس وفلسفة الاستثمار السليمة والعمل الجاد.
 

ولكن في نفس الوقت نقول إن إهمال تأثير الحظ أو حذفه من معادلة الاستثمار يؤدي إلى مشاكل كثيرة أخطرها على الإطلاق هو الثقة المفرطة بالنفس. فالكثير من النتائج التي نحققها في السوق لا ترجع إلى مهارتنا بقدر ما ترجع إلى حظنا في دخول السوق في الوقت الصحيح أو الخطأ. عدم إداركنا لذلك سيؤدي بنا لاحقاً إلى اتخاذ قرارات خاطئة.



 

يقول أستاذ علم النفس بجامعة كورونيل الأمريكية "توماس جيلوفيتش": "في أكثر الأحيان يرى الأشخاص الذين حققوا النجاح أنفسهم عمالقة، ويبالغون في تقدير مسؤوليتهم عن نجاحهم. وفي حين أنه ليس من الخطأ افتخارهم بهذا، إلا أن ذلك يمكن أن يدفعهم بسهولة إلى الغطرسة".
 

أخيراً، ذكر "وارن بافيت" أكثر من مرة أن "بينامين جراهام" علمه قاعدتين أساسيتين في الاستثمار: القاعدة الأولى "لا تخسر المال". أما القاعدة الثانية فهي "لا تنسَ القاعدة الأولى". وإذا أمكننا إضافة قاعدة ثالثة فيمكننا القول: "لا تنس أبداً أن الحظ يلعب دوراً كبيراً هنا" لكنه ليس كل شيء.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.