ما أكثر شيء تتعرض له ويشغلك يوميًا؟ هل زملاؤك في العمل؟ أم أسرتك؟ هل هي الأخبار سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو فنية أو غيرها؟.. الواقع أن أكثر ما نتعرض له يوميًا هو الإعلانات بكافة أشكالها سواء، مقروءة كانت أو مرئية أو مسموعة.
زيادة مساحة التعرض
هذا ما كشفته دراسة للمركز الأمريكي للدراسات الاقتصادية، حيث يتعرض الشخص العادي يوميًا لبيانات ومعلومات تكفي لملء 175 صحيفة، نصفها تقريبًا من الإعلانات، وتزايدت تلك النسبة بشكل لافت في الأعوام الأخيرة مع زيادة ساعات التصفح لوسائل التواصل الاجتماعي، وزيادة مساحة الإعلانات عليها.
وتشير دراسة المركز إلى أنه مع زيادة مساحة التعرض للإعلانات تقل "السعادة"، وأن الأخيرة مسؤولة بشكل أو بآخر عن "تعاسة" الكثيرين.
وعلى الرغم من أن هذا الاكتشاف ليس حديثًا، في ظل ما أقرته الهيئة البريطانية المنوطة بتنظيم الإعلانات من ضرورة عدم إظهار أشخاص سعداء بسبب استخدامهم لمنتج بعينه، وآخرين تعساء لعدم استخامه، لما في ذلك من "ضغط نفسي" على من لا يستخدمونه لسبب أو لآخر، إلا أن الظاهرة تفاقمت مؤخرًا بسبب زيادة مساحة الإعلانات.
وتشير دراسة لمركز "فيوكس" المتخصص في الدراسات الإدارية إلى أن دراسة قديمة ترجع إلى عام 1974 كشفت عن عدم وجود علاقة بين حصول الناس على الثروة وتمكنهم من شراء ما يشاهدونه في الإعلانات وبين شعورهم بالسعادة.
دراسة موسعة
وأجرى المركز دراسة ممتدة لسنوات على 900 ألف شخص من 27 دولة لقياس مدى تمتعهم بالسعادة، من خلال العديد من المؤشرات من بينها قدرتهم على قضاء الأوقات منفردين دون معاناة، والميول الانتحارية، ومدى الرغبة في تغيير العمل أو حتى الانفصال عن شريك الحياة.
وفي كل الحالات جاءت المؤشرات لتؤكد أن الأكثر تعرضًا للإعلانات أقل سعادة، وقسمت الدراسة الأشخاص لثلاث فئات أولها الأكثر تعرضًا وثانيها ذوو التعرض المتوسط، وثالثها قليلو التعرض، وعلى الرغم من أن المجموعة الأخيرة شملت بعض قليلي الاختلاط بالمجتمع مثل ربات المنازل والعاملين من المنزل إلا أنهم كانوا أقل تعاسة بسبب تعرضهم لمحتوى إعلاني أقل بشكل عام.
وكشفت دراسة لجامعة "يل" عن أننا نتعرض لكم هائل من الإعلانات حتى أن الشخص المتوسط يعرف الآن أسماء شركات ثلاثة أضعاف ما كان يعرف قبل عقد من الزمان، و40 ضعف ما كان يعرف قبل 20 عامًا.
وتشير "ايكونوميست" إلى أنه سواء كانت تلك الإعلانات صادقة أم لا، فإن الإعلانات الناجحة تحفز الرغبة في الإنفاق، ربما على أشياء لا يحتاجها الجمهور أو لا يستطيع تحمل تكلفتها، مما يخلق سببًا رئيسيًا من أسباب التعاسة وهو الضغط المادي الشديد وتراكم الديون.
انخفاض في رضا المستهلكين
وكذلك، فإن المحتوى المعلوماتي للإعلانات الخاصة بالعطلات الفاخرة أو السيارات المصنعة خصيصا أو الساعات المرصعة بالماس لا يهم الأشخاص الذين لا تستطيع ميزانياتهم استيعابها، فالرسالة الرئيسية التى تصلهم هي أن يستمتع الآخرون بأشياء لا يستطيعون هم تحمل تكلفتها.
وبالتالي، إذا كان تأثير الإعلان هو في الغالب تشجيع الناس على الرغبة في أشياء لا يمكنهم امتلاكها بدلاً من توجيههم نحو عناصر تتناسب بشكل جيد مع احتياجاتهم وأذواقهم، فمن الممكن أن يؤدي الإنفاق على الإعلان إلى جعل المجتمع أسوأ حالًا بشكل عام.
وتشير بعض الأبحاث الحديثة إلى أن هذا قد يكون ما وصل إليه الحال بالفعل. وهو ما تحاول دراسة بحثية قامت بها "كلوي ميشيل" التي تعمل حاليًا في شركة إعادة التأمين السويسرية المحدودة، و"ميشيل سوفينسكي" من جامعة "مانهايم" الألمانية الكشف عنه من تأثير الإعلان على الصالح العام ومستوى السعادة.
وقدرت الدراسة وجود علاقة عكسية بين حجم الإنفاق على الإعلانات وبين حالة "رضا المستهلك"، وأن مضاعفة الإنفاق الإعلاني يرتبط بانخفاض لاحق في الرضا المبلغ عنه من المستهلكين بنحو3٪، ويمكن تخيل حجم الانخفاض في رضا المستهلكين مع مضاعفة الكثير من الشركات لحجم إنفاقها الدعائي، بل وتنوع أشكال هذا الإنفاق.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}