خلال الأشهر الماضية خرج الإطار العام لدور القطاع الخاص في الخطة الخمسية التاسعة من حيز النظرية إلى واقع التطبيق، وتم إنجاز العديد من الخطوات العملية المهمة والتي تعد ترجمة فعلية لأهداف الخطة من حيث زيادة الدور الذي يلعبه القطاع الخاص، حيث تم الإعلان عن شراكات جيدة تجمع بين صناديق الاستثمار الحكومية خاصة صندوق الاحتياط العام وبين شركات من القطاع الخاص في مجالات محددة تستهدف دعم وتعزيز القطاعات الأساسية التي يرتكز عليها النمو خلال فترة الخطة الخمسية مثل الصناعة والتعدين والسياحة، وبوتيرة سريعة لم تكن معتادة في بيئة الأعمال المحلية تم الإعلان عن بدء تنفيذ واحد من أضخم الاستثمارات الأجنبية الخاصة التي شهدتها السلطنة وهو مشروع المدينة الصناعية الصينية في المنطقة الاقتصادية بالدقم، كما يجري حاليا وبوتيرة متسارعة أيضا الانتهاء من المسودة الخاصة بتعديلات قانون الاستثمار الأجنبي والذي من المنتظر أن يؤدي إصداره إلى نقلة نوعية جديدة في تحسين مناخ الأعمال ودعم تنافسية الاقتصاد وبالتالي أداء القطاع الخاص ومساهمته في الناتج المحلي بما يؤدي إلى التغلب على التحديات التي تواجه الخطة الخمسية التاسعة وفي صدارتها انخفاض نسب التعمين وبالتالي ضعف تشغيل القوى العاملة الوطنية في القطاع الخاص، وارتفاع حجم الإنفاق العام، وبقاء معدلات الإنتاجية دون الطموح وهي تحديات تزداد أهمية في ظل التقلبات في أسعار النفط العالمية وانعكاساتها السلبية على الأوضاع المالية للسلطنة مما يستدعي مواجهة ذلك بإجراءات مناسبة تضمن استدامة الأوضاع المالية وتوفير مناخ اقتصادي كلي مستقر بجانب توفير فرص العمل الكافية لاستيعاب الباحثين عن عمل حالياً والداخلين لسوق العمل خلال الفترة المقبلة.
وبشكل مطلق يعد تسريع وتيرة التنويع الاقتصادي وزيادة مساهمة مختلف القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي أهم أهداف الخطة الخمسية الحالية بما يساهم في التقليل من اعتماد الاقتصاد الوطني على النفط سواء في الإيرادات أو الصادرات والتقليل من تداعيات الصدمات الخارجية التي تترتب على التذبذب في أسعار النفط في السوق العالمي، وجنبا إلى جنب تسير عملية تعزيز التنويع الاقتصادي مع ما أنجزته الحكومة من إصلاحات مالية خاصة إلغاء دعم الوقود وإقرار إصلاحات في ضرائب الشركات وزيادة مصادر الدخل من الرسوم والقطاعات غير النفطية فضلا عن ترشيد الإنفاق العام.
وتستهدف الخطة تحقيق معدل نمو حقيقي سنوي للناتج المحلي في حدود 3 بالمائة في المتوسط خلال فترة الخطة، وتحقيق الاستثمارات الإجمالية متوسطا يبلغ 8.2 مليار ريال عماني سنويا بمتوسط معدل نمو5 بالمائة بحيث تصل قيمة الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة نحو 28.6 مليار ريال عماني في المتوسط لفترة الخطة، ويصل المتوسط السنوي لإجمالي الاستثمارات المستهدفة للبرنامج الاستثماري لخطة التنمية الخمسية التاسعة 2016 – 2020 نحو 28 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، في حين يبلغ حجم الاستثمارات المستهدفة بالخطة نحو 41 مليار ريال عماني و 52 بالمائة من هذه الاستثمارات من القطاع الخاص بما يوازي نحو21 مليار ريال عماني وبما يعادل 14.3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي كمتوسط سنوي لفترة الخطـة.
وطوال السنوات الماضية كان تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص وزيادة دور الأخير في النمو الاقتصادي وتوفير الوظائف الجديدة من أهم الموضوعات المطروحة في المشهد الاقتصادي في السلطنة، ومع إعلان الخطة الخمسية التاسعة في بداية العام الحالي، والذي تزامن مع تراجع غير مسبوق في أسعار النفط يرافقه زيادة كبيرة في حجم الإنفاق العام، حملت الخطة العديد من المرتكزات والسياسات الواضحة للدور الذي تتوقع وتخطط الحكومة لأن يلعبه القطاع الخاص في الفترة الحالية والمستقبلية، وتضمنت الخطة التزاما بتنفيذ عدد من المشروعات الكبرى بالشراكة بين القطاعين العام والخاص ودراسة مشروعات كبرى وذات جدوى اقتصادية ليتم تنفيذها من قبل القطاع الخاص مع التزام الحكومة بتنفيذ المشروعات التي تلبي متطلبات القطاعات الاجتماعية من تعليم وصحة وإسكان ومياه، وحسبما تشير التصريحات الرسمية فإن الرؤية الحكومية لدور القطاع الخاص ترى أن القطاع قادر على تنفيذ مشروعات كبرى، متى توفرت البيئة المناسبة له، وسيتم طرح عدد من المشروعات التي كانت ستنفذها الحكومة منفردة ليتم تنفيذها من قبل القطاع الخاص أو بالشراكة بينه وبين القطاع العام، منها الأعمال المتعلقة بأكبر مشروع سياحي تشهده السلطنة وهو الواجهة البحرية في مطرح ومشروع ميناء شناص ومشروع ميناء خصب والمنطقة اللوجستية في جنوب الباطنة والمنطقة الاقتصادية في الظاهرة بجانب عدد من المشروعات السياحية وعدد من المشروعات المتعلقة بالقطاع السمكي، إضافة إلى إعطاء الفرصة الأكبر وبعض التسهيلات للقطاع الخاص لإنشاء بعض الخدمات بجودة عالية مثل المدارس الخاصة والمستشفيات.
وعلى أرض الواقع تم مؤخرا إعلان عديد من مشروعات الشراكة التي تخدم النمو في القطاعات التي تركز عليها الخطة الخمسية التاسعة، وبتعاون بين صندوق الاحتياطي العام للدولة ومستثمرين من القطاعين العام والخاص تم تأسيس شركة تعمل في قطاع التعدين هي “تنمية معادن عمان” برأسمال 100 مليون ريال وستقيم عدة مشروعات استثمار في أماكن مختلفة في السلطنة، وتتعاون ثلاث شركات حكومية هي الصندوق العماني للاستثمار وشركة النفط العمانية والشركة العمانية لتنمية الاستثمارات الوطنية مع صندوق الاحتياطي العام للدولة لامتلاك حصة 60 في المائة في الشركة الجديدة على أن يتم طرح النسبة الباقية البالغة 40 في المائة للجمهور ويعد قطاع التعدين واحدا من القطاعات الخمس الرئيسية لدعم النمو في الخطة الخمسية التاسعة، كما بدأ نشاط أول شركة استثمارية لتمويل المشروعات المبتكرة وهي الشركة العُمانية لتطوير الابتكار القابضة ابتكار عمان برأسمال مبدئي 50 مليون ريال قابل للزيادة حسب المتطلبات في المستقبل، وهي ثمرة شراكة بين صندوق الاحتياطي العام للدولة وشركة النفط العُمانية وعُمانتل وبالتعاون مع مجلس البحث العلمي، وتهدف الشركة إلى توفير الاستثمارات اللازمة للشركات الناشئة والتسويق التجاري ومساعدتها على توسيع قاعدة أنشطتها محلياً وخارجيا وتحويل الأفكار إلى سلع وخدمات والخروج بها من حيز المختبرات إلى حيز الإنتاج، وقد شهدت الشركة تطورا مهما في الأيام القليلة الماضية مع إقرار مجلس البحث العلمي بالفعل تحويل الابتكارات إلى شركات ناشئة، ومن بين المبادرات التي تهدف لتنشيط الشراكة بين القطاعين العام والخاص شركة “أساس” وهي ثمرة تعاون مشترك بين 10 مؤسسات حكومية، وهدفها الرئيسي المساهمة في تعزيز العائدات الوطنية للقطاعات غير النفطية من خلال تحديد الفرص الاستثمارية الجديدة والحلول الذكية، وحسب استراتيجية الشركة ستتعاون على مدى الأعوام العشرة المقبلة مع أبرز المؤسسات من القطاعين العام والخاص في تطوير محفظة متنوعة من المشروعات المختارة في مجالات السياحة والخدمات اللوجستية وتجارة التجزئة والنقل والرعاية الصحية والتعليم وبقيمة تصل إلى مليار ريال عماني تقريبا.
وتتلاقى كل المشروعات التي تم الإعلان عنها وتلك التي قيد الإعداد خلال الخطة الخمسية الحالية عند هدف أساسي هو التكيف مع مرحلة النفط الرخيص وتحقيق الأهداف الملحة لدعم معدلات النمو وتعزيز نمو الاقتصاد بشكل مستدام حيث أوضحت دراسة صادرة عن صندوق النقد الدولي حول تكيف الدول المصدرة للنفط مع التراجع الحاد في الأسعار، أن عملية تطوير القطاع الخاص لإيجاد فرص العمل، التي لم تعد الحكومات قادرة على توفيرها، أصبحت عملية محاطة بالتحديات وسوف تقتضي توفير حوافز قوية للمواطنين للدخول في القطاع الخاص وزيادة التوافق بين مناهج التعليم والمهارات التي تتطلبها الأسواق وتحقيق مزيد من التقدم في تحسين مناخ الأعمال وأشارت الدراسة إلى أنه من شأن توفير الفرص المفيدة وتحقيق النمو الشامل لجميع فئات السكان المساهمة في الحد من الضغوط الاجتماعية.
وفي واحد من أهم العبارات التي يمكن أن تلخص الأوضاع الحالية أكدت الدراسة أنه:” رغم أن إحداث التحول في الاقتصاديات المصدرة للنفط ليس مهمة سهلة وسوف يكون مشروعا طويل الأجل، كما أن هناك العديد من المخاطر المرتبطة بتراجع أسعار النفط، لكن النبأ السار هو تزايد عزم صناع السياسات في معظم البلدان المصدرة للنفط على تبني منهج استباقي في معالجة هذه التحديات واستخدامها لإحداث التحول والتنويع في اقتصادياتها بهدف بناء مستقبل اقتصادي أكثر قابلية للاستمرار.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}