يملك نائب رئيس مجلس الإدارة في مجموعة المشاريع القابضة، فيصل مبارك العيار رصيداً وافراً من الإنجازات والنجاحات، لا في وقت الرخاء فحسب، بل تجلت أهم بصماته في ذروة قسوة الأزمة المالية العالمية التي عصفت بدول لا بمصارف عالمية أو شركات فقط.
العيار باني نهضة مجموعة اقتصادية من أهم مجاميع القطاع الخاص كويتياً وعربياً، بمشاريع مترامية الأطراف والاستثمارات ونجاحات ملحوظة وسط البيروقراطية العقيمة القاتلة تارة، والأحداث السياسية ولهيبها تارة أخرى.
تمكن «بومبارك» من التحليق بمجموعة المشاريع بعيداً عن أي هزات أو عثرات أو اضطرابات مالية، كما سبق أن حلق طياراً ناجحاً في ريعان شبابه.
رؤيته وفلسفته الاستثمارية وكفاءته في اتخاذ القرار وحدها هي الأسلحة التي يناور ويحدق بها، فتاريخياً يميل العيار، إلى ناحية التركيز على القطاعات التشغيلية النوعية الواعدة والمدرة، يبني للمستقبل البعيد لا لليوم أو الغد فقط، والأهم أنه غير مستعجل للربح السريع، بل يعطي «الطبخة» حقها كاملاً حتى تنضج النضوج الصحي، قبل جني الثمار الطيبة.
رغم نجاحاته وبصماته وازدهار مجموعة المشاريع، لم يخف حزنه الشديد على ما آلت إليه أوضاع الاقتصاد الكويتي، خصوصاً أن الحلول واضحة والنيات صادقة، كما يقول، والأدوات متوافرة، لكن بحسب تشخيصه الدقيق أنه في النهاية لا قرار، ورغم كل المصاعب والمتاعب التي تقف على الأبواب، يقول العيار مبتسماً، إنه «مؤمن بالكويت واقتصادها وما زلنا في الميدان، ويمكن أن نبدأ وننهض لكنّ لذلك شروطاً وإجراءات».
يمنحك «بومبارك» جرعة من التفاؤل، تعيدك إلى أيام الربيع الاقتصادي بازدهاره، وأيام الفوائض المالية ووهجها، حينما يعدد لك سلسلة إجراءات بسيطة يسيرة التطبيق، كفيلة بأن تخرجك من دوامة التعثر والعجز المالي، الذي يمس الدولة بعد أن أنهك القطاع الخاص.
ويرى أن الحكومة تحتاج فقط أن «نفكر خارج الصندوق، وبعيداً عن التقليدية والبيروقراطية، فنحن في الكويت أكثر من شكل لجاناً وعين مستشارين».
ينصح مجدداً بإطلاق يد القطاع الخاص، فهو قادر ويملك الإمكانيات، «فقط لا تعطلوا أعماله، دعوه ينجز ويعمل، سهلوا الإجراءات وشددوا العقاب على المخالف».
ويحذر العيار من استنزاف الاقتصاد والاحتياطيات لأنه «جريمة في حق الأجيال القادمة»، والتحذير الآخر هو من الاستمرار في «ذبح» التنمية والقطاع الخاص بحجة كلمة «فساد».
في الحلقة الأولى من هذا اللقاء، مع الشخصية الأكثر تميزاً والأبرز على الساحة الاقتصادية شجون وآمال، وتطلعات ونصائح وتشخيص للواقع وحلول للمستقبل وتحذير مما هو آت؛ إذا استمر النهج على ما هو عليه.
وغداً يسلط «بومبارك» الضوء على مجموعة المشاريع واستثماراتها ومستقبل النمو فيها. وإلى تفاصيل اللقاء:
* لنبدأ من أزمة العجز، كيف تقييم المعالجات التي أعلنتها الحكومة لتمويل سد عجز الموازنة العامة للدولة؟
- منذ إعلان الحكومة وجود عجز في الموازنة العامة للدولة لم نر حتى الآن أي خطط شاملة أو واضحة للمعالجة على أرض الواقع، ورغم أن هناك أكثر من خيار، لم يتم اتخاذ قرار لتعديل المسار الذي نمر فيه، وسلوك الحكومة يظهرها وكأنها خائفة أو عاجزة والخوف برأيي، هو من ردة الفعل، لأن لمثل هذه الإجراءات تبعات سياسية واجتماعية.
واجهت دول كثيرة قبلنا مثل هذه المشاكل، ومنها الأردن ومصر، وقاموا بإجراءات لتعديل الأوضاع رغم القدرات والإمكانيات المحدودة لديهم، أما نحن في الكويت الوضع مختلف من ناحية الإمكانات، التي نملكها، والتي تسهل إيجاد الحلول اللازمة، فالأخطاء التي ارتكبت على مدار 40 سنة الماضية، ليس مطلوباً حلها في يوم أو يومين، فنحن نملك ما يساعدنا على وضع برنامج متكامل يمكن تنفيذه على مدى 10 سنوات، وعلى الحكومة أن تبين جديتها في التعامل مع الوضع وتصحيح المسار.
إجرائياً لم نر حتى الآن قراراً واضحاً من شأنه إيقاف الهدر في الميزانية باستثناء قرار ترشيد الدعم على الديزل، الذي وصل في نهاية المطاف بعد الاستثناءات إلى أن أصبح شكلياً فقط، هناك أمور جوهرية يجب القيام بها، لئلا نكون مثل الذي ينظف بيته تاركاً النوافذ مفتوحة فيتراكم الغبار.
الحكومة ترسل من وقت إلى آخر بالونات اختبار لقياس ردود الفعل، فإذا كانت تطمع بأن تلقى كافة قراراتها الترحيب فهذا الأمر صعب، ولا توجد حبة سحرية تجعل المواطنين يتقبلون كل شي، لذا عليها أن تضع خطة وتمضي في تنفيذها، ومن الطبيعي أن تجد معارضين ومؤيدين، لكن حتى تكون مقنعة لتبدأ بنفسها أولاً في مسألة إيقاف الهدر والصرف والتبذير، وتقلص المصروفات غير الضرورية، وبعدها تحمل المواطن مسؤولية الهدر، عندما تسير الحكومة في الطريقين سيقتنع الجميع بجديتها.
حالياً الجميع يتكلمون عن تغيير خارطة الإنفاق عبر شد الأحزمة، وترشيد الدعم ورفعه عن بعض الخدمات التي تقدمها الدولة، لكن توجد سلوكيات يجب أن تتغير، فلايمكن أن تتحدث عن خطط لترشيد الإنفاق وتستمر عملية التوظيف الهامشية، حتى وصلت النسبة إلى 88 في المئة في الدولة، وتستمر عملية الصرف، كما لو كانت أسعار النفط عند 140 دولاراً أو عندما كنا 300 ألف نسمة، فهذا مستحيل استمراريته من دون هيكلة الاقتصاد وتعزيز قوته وتنويع الإيرادات.
* ما الأنسب الاقتراض من البنوك المحلية أم من الأسواق العالمية أم السحب من الاحتياطي في ملف تغطية العجز؟
- أعتقد أن الفرصة تاريخية للاستدانة بأقل كلفة، فبإمكان الدولة أن تستدين من دون كلفة تذكر، فالتصنيف ممتاز والفائدة منخفضة، لذا قرار الاقتراض مهم، كما أن التوازن بين السحب من الاحتياطي والاقتراض من السوق العالمي، أفضل بكثير من الاقتراض الداخلي فقط.
أما البنوك المحلية، فيجب أن يكون لها دور رئيسي في محور التنمية، عبر تمويل المشاريع العملاقة التي ستطرحها الدولة، إذ إنه في حالة الاعتماد المطلق على البنوك المحلية في الاقتراض، فسيتم سحب السيولة المتوفرة لديها، وبالتالي لن يجد القطاع الخاص من يمول تنفيذ مشاريعه. وأي إصدار ستطرحه الكويت سيلقى إقبالاً كبيراً فتصنيف الكويت AA والسوق العالمي، يترقب هكذا إصدار سندات سيادية مضمونة من دولة مثل الكويت.
خطة واضحة
* حسب الإحصائيات أنفقت الدولة 9.6 مليارات دينارعلى مشاريع تمت ترسيتها في الكويت خلال عام 2015، لكن يلاحظ عدم انعكاس ذلك على الاقتصاد، لماذا هذا الأثر محدود؟، ولماذا لا نشهد انعكاساً على تنويع الاقتصاد لنحصل على إيرادات وعوائد غير نفطية؟
- أعتقد أن تنويع الاقتصاد يحتاج إلى بنية تحتية قوية يقابلها برنامج طويل الأجل لتنويع الاقتصاد بناء على هذا الصرف، يبدأ بآلية تضمن منح القطاع الخاص دوراً أكبر، عندما تنفذ الدولة بنية تحتية دون أن تضع خطة تستهدف الاستفادة من هذه البنية التحتية استثمارياً واستغلالها فلا فائدة من الصرف، لذلك يبقى هذا الصرف محدود الأثر وتستفيد منه قطاعات محددة في الدولة مثل المقاولات والمواد الأولية والإنشائية وقطاعات التجارة المستوردة.
لذا المطلوب من الحكومة أن تضع خطة واضحة المعالم للاستغلال أمثل للبنية التحتية التي تنفذها، على سبيل المثال، ميناء مبارك الكبير مشروع عظيم وفكرة رائدة، لكن هل تناقشت الحكومة مع القطاع الخاص بخصوص مستقبل التشغيل والاستثمار؟ لم يحدث ذلك والقصة بالنسبة لنا غير كاملة، لذا لم نعرف دور الميناء حتى الآن، ومن سيخدم وهل سيكون بديلاً لميناء الشويخ، أو هل هدفه بيئي فقط، وما هي الفرص الاستثمارية المترتبة على هذا المشروع، وهل سيتم إنشاء منطقة حرة لخدمة الكويت اوالدول المجاورة؟.
للأسف لم تعلن الحكومة عن تفاصيل كثيرة تهم القطاع الخاص الذي يمكنه استثمار فرص كبيرة محيطة بالميناء كالخدمات اللوجستية وغيرها، وهذا من بين المأخذ في حالة وجود مشاريع نوعية ضخمة بهذا الحجم.
بداية دموية
* بدأت 2016 بداية "دموية" وحادة في نزول الأسواق على عكس التوقعات، ماتقييمك للأوضاع ورؤيتك لها؟
- ما حدث قد يكون ردة فعل طبيعية مدفوعة بالعوامل المحيطة، فالمنطقة تشتعل وأسعار النفط تمر في أسوأ حالاتها، كما أن الحكومة لم تتخذ أي إجراءات رغم وصول "السيف للعظم"، وحالياً تشهد الاقتصادات الكبرى ضغوط تباطؤ انعكست على المنطقة.
القصة أكبر من رفع سعر بنزين أو غيره، فنحن نحتاج إلى خطة متكاملة، كما يجب على الحكومة أن تتصارح مع الجميع، وتحدد حجم المبالغ التي تستهدف خفضها من إجمالي المصاريف.
في ظل هكذا أوضاع يكون لزاماً على الحكومة أن تخرج إلى الناس وتشرح لهم بشفافية القرارات التي ستتخذها، وتبين التداعيات التي ستنتج عنها، ويجب على الحكومة أن تتعامل معنا كراشدين، وتضع خطة للتعامل مع الوضع في إطار زمني محدد وتعلنه لنا، فنحو 65 في المئة من الكويتيين أعمارهم أقل من 30 عاماً، ويستطيعون تفهم الإجراءات التي تتخذها الحكومة، شريطة أن تضع برنامجاً متكاملاً لتضمن مشاركتهم في تأييد القرار بدلاً من محاربته، عندما تتكلم الحكومة بالمنطق والعقل سيستوعب الجميع ويتقبل.
حزمة تحفيز
* ما أهم الإجراءات التي يمكن أن تكون بمنزلة حزمة تحفيز من شأنها أن تكون خطوة في سبيل الخروج من عنق الزجاجة؟
- لا أملك المعلومات والبيانات كافة المتوفرة للحكومة، لكن عليها إيقاف النزيف والهدر، قبل أن تبدأ في مرحلة التنظيف، والالتفات إلى العديد من الإجراءات السهلة، التي قد توفر مبالغ هائلة، وهي عديدة، وعلى سبيل المثال: الكويت تحتاج إلى 400 ألف برميل غاز لتوليد الكهرباء وتوفير الماء وذلك كلفته كبيرة، والبديل الأنسب والأرخص لاستخدام الغاز هو عن طريق استخدام الأنابيب، لكن لأسباب سياسية اخترنا البديل الأغلى، أي الغاز المسال، الذي يتم نقله على شكل سائل للكويت، ثم يتم تحويله إلى غاز مرة أخرى، فلماذا لا نقنع المملكة العربية السعودية الشقيقة الأكبر بتمديد أنبوب غاز عبر أراضيها لنقل الغاز من قطر بدل البواخر، وهي خطوة سنوفر معها مبالغ كبيرة وخيالية؟ العراق وإيران فيهما غاز، وهما قريبان جداً، أمامنا خيارات يمكننا أن نقنع السعودية بتمرير أنبوب أو جلب الغاز من المنطقة الأقرب.
أمور أخرى واضحة وضوح الشمس، منها أن تبدأ الحكومة بتطبيق الإصلاح على نفسها من الداخل أولاً وقبل الغير، وتبين ذلك للمواطنين ثم تبدأ برفع التكاليف على التبذير الحالي، فمن يحول منزله إلى مدينة ملاهي يتحمل الكلفة، منزل آخر يعيش فيه 4 أفراد يعمل فيه 10 آخرون لخدمتهم، يتحمل كلفتهم بعيداً عن دعم الدولة وهكذا.
مثال آخر للتوفير والترشيد والهيكلة يحتاج فقط إلى التفكير بطريقة غير تقليدية، على سبيل المثال في الكويت 140 ألف منزل، لماذا لا يتم السماح للكويتي بالتملك في منزل العائلة؟ ولماذا لا نشجع على تملك الشقق؟ وتكون في مناطق قريبة، حتى إن كانت بمساحة أصغر؟، ويتم منح من يقبل بذلك قرض الـ 70 ألف دينار مع الـ 30 ألفاً الدعم للمواد الأولية أيضا بضوابط وشروط، وبذلك تتمكن الحكومة من تغطية الطلبات المكدسة حالياً، وتوفر الكثير من المصاريف على البنية التحتية للمدن الجديدة، وهذا عبء كبير تكون تحررت منه.
إجراءات عديدة يجب أن تفكر فيها الحكومة خارج الصندوق، فلا فائدة إيجابية من الإصلاح، قبل أن توقف النزيف وتعالج قنوات الهدر والمصاريف العالية.
ضريبة للمبيعات
* هل ترى فرض ضريبة على القطاع الخاص خياراً متاحاً أمام الحكومة؟
تقوم الشركات بدفع ضريبة بالفعل حالياً، الضريبة الخاصة بدعم العمالة 2 في المئة، ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي 1 في المئة والزكاة، ولكنني أرى أن هناك ضريبة أولى يجب تطبيقها خليجياً، وتشمل الكويت، وهي "ضريبة المبيعات"، فهي الأنسب حالياً لاسيما أن منطقة الخليج تتميز بأنها دول استهلاكية، وتطبيق مثل هذه الضريبة في الكويت تحديداً سيحقق دخلاً إضافياً للدولة، بالإضافة إلى تثقيف المواطنين حول أهمية التوفير، وإن كانت ستؤثر على المشتريات بشكل أو بآخر، لكنها على المدى البعيد ستحقق إيجابيات.
* هذه الأفكار موجودة في أدراج الحكومة منذ سنوات، لكن ما السبب في تأخر اتخاذ قرارات كهذه برأيك؟
- في بعض الأوقات، يكون عدم اتخاذ القرار عائداً إلى الخشية من القرار نفسه، لكن من وجهة نظري سياسة التأجيل والاستنزاف هي جريمة في حق أجيال المستقبل، فالمجلس من جهة قد يحسبها سياسياً أنه باقٍ عاماً من عمره ويدفع نحو تأجيل قرارات الإصلاح، على الجانب الآخر الحكومة قد تراهن على تعديل سعر النفط وهكذا، علماً أن دولة مثل النرويج، دخل النفط لا يدخل في الميزانية، وتعتبر إيراداته ضمانة للمستقبل.
نحن سباقون في طرح الأفكار، وشخصنا المشاكل كثيراً وطرحنا الحلول، لكن دائماً لايوجد من يتحمل مسؤولية اتخاذ القراروتنفيذه، لدينا في الكويت أفضلية وأسبقية في طرح العناوين والمانشيتات والمقترحات المبهرة، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، ومشكلتنا الكبرى في التطبيق والتفاصيل.
* توقعت أن أزمة أسعار النفط قد تستمر 10 سنوات... هل مازلت مؤمناً باستمرار تأثرها لهذه الفترة الطويلة؟
- أتوقع ألا نرى سعر الـ 100 دولارللبرميل لسنوات، وأعتقد أنه كلما كانت أسعار النفط عالية القيمة سيدفع المستهلكون والدول المستهلكة من أصحاب التكنولوجيا نحو السعي إلى إيجاد البدائل وخفض كلفتها، والبحث عن استكشافات أخرى.
لكنني أرى أنه للمحافظة على إيرادنا وحصتنا النفطية، يجب ألا يزيد سعر البرميل عن 50 إلى 60 دولاراً، وهذا يعطينا الأمان والاستمرارية بعيداً عن الحديث عن سعر عادل أو غير عادل، كما يكون هذا السعر مقبولاً للدولة كبائع خصوصاً إذا كانت الحصة كبيرة والحرب حالياً على الحصص، فتراجع السعر يجعلك تبيع أكثر بسعر أقل.
تعزيز الإيرادات
* برأيك ماهي المصادر الأخرى الأنسب للكويت، ويمكن لها أن تعزز الإيرادات غير النفطية؟
- ببساطة الكويت موقعها استراتيجي، فهي تقع وسط أكبر ثلاث دول على الخليج، وهي السعودية والعراق وإيران، وأعتقد أنها فرصة كبيرة وذهبية لتؤدي الكويت دوراً لوجستياً أكبر في المنطقة نتيجة تقارب المسافات، فتعداد السكان في المناطق القريبة من الكويت بالملايين والجنوب العراقي غني جداً بالنفط وتعداد السكان، فلماذا لا نستغل هذا الموقع، ونضع الأرضية الصحيحة لاستغلال تلك الإمكانات، وإشراك القطاع الخاص، وتوفير فرص هائلة من تشغيل العمالة والإيرادات في آن واحد، ومتى ما وضعت البنية التحتية الصحيحة، فإن الدول المجاورة تأتيك مباشرة للاستفادة مما تقدمه من خدمات.
في الجانب الآخر، أعتقد أن أمامنا فرصة لتحقيق إيرادات من قطاع السياحة مثلما فعلت دبي، فنحن نملك أفضل الشواطئ والجزر لنكون الأفضل، لكن الأمر يحتاج إلى إزالة العراقيل وتجهيز البنية التحتية اللازمة لذلك، بالإضافة إلى أن تكون هناك حرية اجتماعية أكبر.
* كيف ترى أثر سلبيات البطء في تنفيذ المشاريع الاستراتيجية أو سحب وتعطيل البعض منها؟
- الجميع يذكرون بأسف كيف تم سحب مشروع العبدلي، الذي فازت به مجموعة المشاريع، والذي كان يشتمل على مستودعات تخزين ومنطقة حرة وخدمات لوجستية، لو لم يعترض طريق هذا المشروع مجلس الأمة قبل عشر سنوات لكانت المنطقة تحولت الآن إلى مدينة وجذبت مابين 70 إلى 80 في المئة، من الشركات العراقية بعملياتها وأنشطتها، وباتت المنطقة جاذبة للعمالة الوطنية ومدرة للدخل، لكن مع الأسف لم يتركونا ننفذ المشروع ولم ينفذوه هم ولا غيرهم، هكذا نتأخر ونتراجع!
لو ترك المجلس هذا المشروع الطموح؛ لكان خرج للنور منذ سنوات ولكانت البنوك استفادت من ناحية التمويل، وكذلك شركات التأمين وانتعش قطاعا النقل والخدمات اللوجيستية.
* يلاحظ أن بصمات مجلس الأمة تاريخياً قليلة بشأن المشاريع العملاقة والضخمة ودفع التنمية الاقتصادية كأولوية؟
- كلمة الفساد ومشتقاتها دائماً ما تستعمل وتستغل لوضع العصي في دولاب التنمية، وهذا لا يعني أنه لا يوجد فساد، لكن غير صحيح أن نوقف العمل والتنمية وبناء الاقتصاد بسبب الخوف من الفساد.
لتضع الدولة الضوابط ومقابلها عقوبات شديدة وتستمر التنمية وتطرح المشاريع، ومبدأ الربح مشروع لكل تاجر، والربح ليس فساداً، ولا يصح وصفه بهكذا اسم، ففي الكويت لدينا ديوان محاسبة وبدل الجهة 20 ألف جهة رقابية أخرى، ورغم ذلك توجد نسبة فساد.
لماذا لا نغير منهجية التفكير لمحاربة هذا الأمر، فعندما تطرح الدولة مشروعاً ويربح المستثمر حتى 100 في المئة فالدولة هي المستفيدة، لأنه عند طرح المشروع التالي سيتقدم له 20 مستثمراً، وقد لا يتخطى ربحهم 20 في المئة، وهكذا المنافسة تكون لمصلحة الدولة، وهنا الفرق بالعقلية الديناميكية في الإدارة والمواجهة.
خيار بديل
*هل القطاع الخاص مطمئن إلى تطمينات استمرار الإنفاق الاستثماري وكيف ترى تأثيرات سعر النفط على هذا الباب؟
- أزمة أسعار النفط ستؤثر حتماً إلا إذا كانت هناك حلول سحرية، وأعتقد أن الاحتياطي العام للدولة هو الخيار البديل أمام الحكومة، لكن كم يتحمل؟!، فخلال 5 سنوات يمكن أن تتبدد تلك الاحتياطيات إذا استمرت هذه السياسات الحالية دون تغيير، لذلك أحذّر من الاستنزاف.
نحن نحتاج قراراً، وأكبر المشاكل تأتي من عدم الأخذ بعين الاعتبار سرعة اتخاذ القرار، أرى وكأن الوقت لا قيمة له لديهم، فحتى اليوم لا توجد لدينا خطة متكاملة، كما أنهم لايجيدون استخدام واستغلال الأدوات ولا يتقنون استغلال القطاع الخاص لتنويع النشاطات الاقتصادية والإيرادات، حتى المكاسب الإيجابية والمشاريع الكبرى التي تنفذها الحكومة لايملكون الأدوات لتسويقها بالشكل الأمثل.
مشاريع كبرى قيد التنفيذ أو قائمة ولا أحد يعرف تفاصيل كثيرة مهمة عنها، فمن يخدم من هذا المشروع، وما الفرص المتاحة استثمارياً حوله نطاقاً ونوعية؟، هذه تفاصيل مهمة يجب أن نشرحها للمستثمرين بغرض تشجيعهم.
بطء الخصخصة
* تاريخياً قرار الحكومة تجاه الخصخصة بطيء، ويأتي بعد فوات الأوان أو ويستهلك وقتاً طويلاً أليس كذلك؟
-على الأقل لتبدأ الحكومة بخصخصة القطاعات التي تعاني نزيفاً مالياً كبيراً وترهق مصروفاتها كالتعليم العام، الذي يكلف الدولة الكثير ومخرجاته لا حول لها ولا قوة، لو أعطت الدولة المدارس الحكومية إلى القطاع الخاص، فسيستثمر فيها بقوة وسيحسن جودة التعليم، المفروض أن تبادر الحكومة نحو تشجيع القطاع الخاص وتحفيزه نحو ذلك، فتكلفة التعليم ستنخفض إذا أسند للقطاع الخاص مع جودة أعلى، وبذلك تكون وفرت على المال العام مبالغ كبيرة، ومنحت المواطنين تعليماً أفضل وتتعدد الخيارات.
* برأيك لماذا الإصرار على مستشارين خارجيين يكلفون الدولة مبالغ باهظة، ولدينا بنوك رائدة يمكنها أن تقدم استشارات أنجح وأفضل بحكم معرفتها بثقافة وشؤون البلاد؟
- الكويت أكثر بلد عيّنت مستشارين وشكلت لجاناً، والتوصيات في الأدراج، فلا تنقصنا دراسات بل تنفيذ المقترحات.
نشعر بالغبن
* فكرة شراكة الهيئة مع القطاع الخاص هل ترى أنها ستحقق نقلة نوعية وترضي طموح القطاع الخاص؟
- التجربة لم تكتمل لنحكم عليها، لكننا نشعر بالغبن حيال قانون الـ "بي أو تي" الذي لم يشمل المشاريع التي نفذت قبل القانون من قبل مستثمرين، آمنوا بالاستثمار في بلدهم بدون قانون يحميهم.
ورغم ذلك لدينا أفكار وطموح للاستثمار والتوسعة، فمثلاً عندنا رغبة لتطوير الإيرادات، لماذا يقف الروتين عائقاً أمامنا، فلتسمح الدولة وتأخذ عائداً مقابل التوسعات، ففندق المارينا صغير حيث يحوي نحو 110 غرف، لكن البنية التحتية تتحمل حتى 150 غرفة، لماذا لا تسمح لي بالتوسع وتأخذ أموالاً زيادة كحكومة؟.
* مشروع الجزر من وجهة نظركم هل تراه مقنعاً ويرضي طموح القطاع الخاص؟
-لقد اطلعت على المعلومات المتوافرة والمسجلة، الكلام حتى الآن إنشائي، وإن كان يبدو جيداً، فهم يقولون جزيرة ستستغل على أعلى المستويات للمرافق الصحية، لكن كقطاع خاص، نريد احترافية وأرقاماً مثل من سَتَخدم؟ وهل لدينا أطباء لتغطية المرافق؟ وخطة التشغيل ونوعية الشرائح التي ستخدمها؟، وهكذا تفاصيل كثيرة مطلوبة.
هذا حلم ورؤية، وقلتها: نحتاج لأساس صحيح حتى نبني عليه القرار، والمستثمرون يعدون العدة اللازمة، ولا يجوز أن تبني على أرضية هشّة.
مشاريع الديوان «ماشية»
يقول «بومبارك»: الكل يتساءل لماذا المشاريع التي تحت مسؤولية الديوان الأميري ماشية؟، وأنا أرى أن ذلك بسبب القرار، فاتخاذ القرار وتنفيذه مهم جداً، «وليت الحكومة تشدد العقاب وتنفذه على من يخل بالإجراءات والقوانين».
إذا الوزارة ناحية شمال... اذهب أقصى الجنوب
سألنا «بومبارك»: إذا طلبوك لمنصب حكومي فأي الوزارات تختار وأي القرارات ستتخذ عاجلاً، فقال على الفور: «ازهّب بشتي» وأركب السيارة وإذا الوزارة كانت ناحية شمال أذهب أقصى الجنوب.
وتابع: أنا مستعد أقدم المشورة والرأي في أي وقت، «لكن للأسف ما طلبونا ولا مرة رغم أننا لا نبخل أبداً برأي أو أي استشارة، والعملية بسيطة... أعطوا القطاع الخاص دورة واتركوه يسوي مشاريعه بوقتها».
إطلاق صاروخ للمريخ أسهل من خصخصة البورصة
قال العيار رداً على سؤال عن رؤيته لمستقبل بورصة الكويت في ظل مشروع الخصخصة، والانعكاسات الفنية مستقبلاً، إن تخصيص البورصة !! ربما لو أطلقنا صاروخاً للمريخ لكان أمراً أسهل، «البورصة» عبارة عن نظام تداول آلي يضمن عملية التقاء البائع مع المشتري من ناحية ضمانة الأصول والمبالغ وتنفذ الصفقة على هذا الأساس لذلك عملية الخصخصة يجب ألا نعطيها أكبر من حجمها.
وإجمالاً، على أساس التداول الحالي، لا أرى أنها مشجعة ولا تحمل أي مردود إيجابي للمستثمرين، فأي بورصة في العالم هي صورة للاقتصاد ومرآة للقطاع الخاص، والآن ماذا بقي في البورصة سوى البنوك والتأمين وبعض الشركات الصناعية والخدمية؟.
المطلوب من وزراء المجموعة الاقتصادية
إعادة هيكلة الاقتصاد بالكامل، وإعطاء الدور الأكبر للقطاع الخاص وهذه نقطة مصيرية، قبل أن ندخل في مرحلة استنزاف الاحتياطيات التي ستكون بمنزلة جريمة في حق الأجيال القادمة، ولن تعوض.
هيئة أسواق المال تخلصت من الحدة لكنها بطيئة كالسلحفاة
رداً على سؤال عن تقييمه لهيئة أسواق المال وتعاطيها مع القطاع المالي حالياً؟ يقول بومبارك: «ماكو» جهة حكومية لا «تعل القلب»، لكن يمكنني التأكيد أن الهيئة خففت من حدتها في التعاطي بشكل كبير، لكن المأخذ المستمر أنها لا تزال بطيئة كالسلحفاة في حركتها، لماذا عندما نتقدم لطرح سندات تستغرق الموافقات شهرين، علماً أن سوق السندات يمكنه أن يغلق في أسبوع، والفائدة ممكن أن تتحرك في يوم.
فلتضع الهيئة المعاييرالسليمة والدقيقة والأطر المنظمة بوضوح ومن يخالف يعاقب.
* إذاً ترى أن الرقابة اللاحقة أفضل وأجدى من المسبقة؟
- بكل تأكيد الموافقات المسبقة مشكلة كبيرة وإعاقة، ففي كل دول العالم لا يوجد مستثمر ينتظر الموافقات، بل نرى كيف يعلنون في أسواق العالم عن اندماجات ضخمة بقيم مالية تصل إلى 70 ملياراً وبعدها ينتظرون الموافقة، ونحن على العكس تماماً طلبات غير واقعية مثل «سوي» دراسة سوق وانتظر شهر وشهرين حتى تحصل على موافقة مسبقة!
ما زلنا نعيش في داخل مقولة، إننا أفهم من الغير ونُعلّم الآخرين، علماً أنه لا يوجد من هم أحرص على مصالحهم وأموالهم من المساهمين والمستثمرين فهم أصحاب «الحلال».
أما عن اللائحة التنفيذية للقانون بموادها الـ 1610، فنحن لسنا ضد القانون أو الالتزام به، فنحن نتعامل مع وكالات تصنيف عالمية ويحصلون على تفاصيل كبيرة وأكثر من ذلك، ونحن في مجموعة المشاريع أوضاعنا متوافقة ونحرص على أن نعمل شفافية متقنة، ونعلن أرقامنا وتوقعاتنا ونزود الجهات الرقابية بكل ما تطلبه منا.
لكن التحدي هو عدم تعطيل الأعمال، «فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك»، والأسواق متحركة، لذا يجب مراعاة أن الأسواق تتغير بشكل مستمر، لذلك أكرر «نحن مستعدون لأن نقدم أي معلومات لكن لا تعطل أعمالي وكن سريعاً في التعاطي مع الأمور».
«فيصل الثاني»
جاء اتصال «الجريدة» لطلب إجراء مقابلة مع «بومبارك» في دقيقة تحمل إليه سعادة بالغة وبشرى من نوع خاص، حيث رزق بالحفيد «فيصل مبارك العيار» أو «فيصل الثاني».
ويقول «بومبارك» إنه لم يأخذ حاصله ونصيبه من اهتمامي لصغر سنه حيث لا يزال «بومبارك» متعلقاً بحفيدته، قائلاً إن له نفس البرنامج الأسبوعي بين «كيبكو» والعبدلي أسبوعياً حيث يأخذ حفيدته من المدرسة الخميس ويتجهان للمزرعة لأنها تحب الخيل.
خصخصة الصحة والتعليم تحسن أشياء كثيرة شرط الحرفية والمهنية
وعن تأخير طرح إدارة المرافق التشغيلية المدارة من جانب الحكومة بكلفة عالية للقطاع الخاص، قال العيار: «واضح للجميع أن إدارة المرافق الخدمية التشغيلية من جانب الحكومة عالية الكلفة متدنية الخدمة وضعيفة الإيرادات، وكثير من الشركات العالمية والآراء الاستشارية نصحت بأنه على الأقل إن لم تتم خصخصة محطات الكهرباء والمواصلات أن تدار إدارة محترفة تعزز أرباحها وتقلص خسائرها وكلفتها على المال العام، ولتبقى الوزارة كجهة رقابية، لكن المرافق التشغيلية كالكهرباء والهاتف الثابت والماء وغيرها، يجب أن تدار بشكل أفضل وآن الأوان لذلك في ظل أوضاع العجز الحالية. وإذا استغلت بحرفية ومهنية ستفتح آفاق الفرص الجيدة للمواطنين، شرط أن تدار بفلسفة القطاع خاص، وإذا تم تطبيق هذه الفكرة، فهي خطوة عظيمة أفضل كمردود من إدارة الوزارة.
ولنأخذ مثالاً الجامعات الخاصة، عندما فتح المجال امام الاستثمار فيها توافرت أمام المواطن خيارات عديدة، لماذا لا نطبق التجربة في القطاع الصحي؟ إن تخصيص المستشفيات الحكومية وإعطاء المواطنين تأميناً صحياً سيكون أقل كلفة على الدولة والمال العام من أن تدير هي المرافق الصحية بهذه الكلفة، ولكم في نفقات العلاج بالخارج أسوة، خلاصة الكلام، هذا مجال استثمار كبير أمام القطاع الخاص ومربح للدولة في ذات الوقت، الصحة والتعليم اساسيات للمجتمع ، ومع خصخصة هذين القطاعين ستتحسن أشياء كثيرة مترتبة على ذلك».
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}