قبل أسابيع راود أستاذ الاقتصاد الكلي بجامعة كارلتون في أوتاوا "نيك رو" حلم سيئ، حيث رأى أنه لا يستطيع العثور على قاعة التدريس قبل خمس دقائق من بداية المحاضرة الأولى من فصل الخريف، لكن عقب استيقاظه مباشرة سرعان ما تذكر أنه تقاعد للتو، ليلتقط أنفاسه وتهدأ دقات قلبه، بحسب تقرير لـ"الإيكونوميست".
تعليم الاقتصاد الكلي هو مصدر قلق لكثير من الطلاب وكذلك سبب لتعرض الأساتذة لضغط عصبي شديد حيث يصعب شرح الموضوعات بشكل جيد، وحتى خلال السنوات السبع والثلاثين التي قضاها "رو" في كارلتون كان يعتبر نفسه باحثا أغلب الوقت، لكنه لعب بالنهاية دورًا كبيرًا في نقل الحدس الاقتصادي.
ربما يجد الأساتذة أنفسهم غير مستعدين للفصول الدراسية حول الاقتصاد الكلي، لكن كي يتحقق الغرض من كونهم أكاديميين، فعليهم الإجابة عن الأسئلة المتعمقة، وليصبحوا معلمين جيدين، عليهم دائمًا إعطاء إجابات واضحة للطلاب المشوشين، وهو ما يتطلب حدس وفهم قوي للموضوعات.
في الوقع يعزو "رو" جزءًا من نجاحه كمعلم إلى ضعفه في علم الرياضيات، ولأنه لا يصل إلى الإجابات بمجرد حل بعض المعادلات، كان عليه التركيز على السلوك الاقتصادي بعيدًا عن علم الجبر، ويفضل دائمًا اقتباس قول زميله الاقتصادي "جوان روبنسون": لم أتعلم الرياضيات أبدًا، لذلك كان علي أن أفكر.
وترجع صعوبة تدريس الاقتصاد الكلي إلى الاختلاف الكبير في نظرياته مثل الكلاسيكية، الكينزية، النقدية، الكلاسيكية الجديدة، الكينزية الجديدة، وغيرها، إلى جانب الاختلاف في الكتب التعليمية، والتي تغطي معظمها -لضمان الوصول إلى جمهور أكبر- مجموعة من النماذج التي لا تتوافق دائمًا مع بعضها أو حتى مع نفسها، والنتيجة أن العديد من الأساتذة يضطرون لتعليم أشياء لا يؤمنون بها.
كما ينسى الأساتذة أحيانًا أن الاقتصاد الكلي مليء بالإماءات المزيفة، أو الكلمات التي تعني شيئًا مختلفًا عما اعتاده الناس، فعلى سبيل المثال في الحياة العادية ستكون كلمة "توفير" مقابل الإنفاق، لكنها في الاقتصاد الكلي مقابل للاستهلاك، أو على وجه أدق، عدم شراء سلع استهلاكية جديدة باستخدام الدخل المكتسب من الإنتاج.
في الاقتصاد الكلي، فإن الشخص الذي ينفق ثروة على منزل، ما زال يمارس نوعا من أنواع التوفير حتى لو أفرغ حسابه المصرفي كاملًا لفعل ذلك، لذا فإن مصطلح كهذا يمكنه إحداث إرباك كبير للأساتذة والطلبة، حتى أن "رو" يؤمن بضرورة استبعاده.
ويرى "رو" مزيدًا من الصعوبات تنبع من كون الاقتصاد الكلي غريبا بعض الشيء، ويقول إن السؤال الأساسي حيال السلوك الاقتصادي هو ما طرحه "جان بابتيست ساي" قبل 200 عام، عندما قال هل يخلق العرض الطلب الخاص به؟ وكانت الإجابة غالبًا هي لا، ما يعتقد "رو" أنه أحد الأمور الغريبة أيضًا.
ويعتبر الطلاب الركود من المسلمات دون إدراك مدى غرابته، ورغم أن الأساتذة يمكنهم تمييز ذلك، لكنهم أحيانًا يعانون في شرح الأمر، لكن بفضل تبنيه النظرية النقدية، يعتقد "رو" أن تفسير الركود يكمن في زيادة الطلب على النقود باعتبارها وسيلة البيع والشراء.
لتوضيح هذه النقطة، بنى "رو" نموذج اقتصاد كلي محدودا، هدفه إظهار أسباب الركود، وفي هذا النموذج كان نصف الناس يملكون التفاح، والنصف الآخر لديهم الموز، والمجموعتان لديهما المانجو ولكن ليس بكميات كبيرة.
ويرغب بائعو التفاح في الحصول على المزيد من الموز، وكان باعة الموز أكثر عددًا ويريدون الحصول على المزيد من المانجو، وفي عالم بهذه التركيبة، يمكن لتجار التفاح كسب الكثير من بيع منتجهم مقابل الموز، وهو ما يحدث حقًا في اقتصاد المقايضة.
لكن ماذا لو كانت ثمرة أخرى هي وسيلة البيع والشراء؟ ماذا لو كان بإمكان تجار التفاح والموز تبادل منتجاتهم مقابل المانجو وليس مباشرة؟ هذا ما يحدث في العالم الحقيقي حيث يتم تداول السلع عادة مقابل المال وليس عبر مقايضة سلعة بأخرى.
في هذا السيناريو، ستقل الثمار الأقل انتشارًا، وستضيع المكاسب المحتملة للتجارة، ولن يميل الناس لشراء الكثير من السلع مقابل ما يمتلكونه من المانجو، ونتيجة لذلك لن يتمكنوا أيضًا من بيع الكثير من منتجاتهم مقابل ما يتملكه غيرهم من المانجو، وهذا ما يبدو عليه الركود بالنسبة لـ"رود" ويمكن تلخيصه بالقول إن الإفراط في الطلب على وسيلة التبادل يؤدي إلى تقويض التجارة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}