جدال وقلق .. التقاط وحبس الكربون في المحيط آلاف السنين
تشكل شركة إكواتيك الأمريكية إحدى الموجات الجديدة للشركات الناشئة، التي تحاول اكتشاف آلية لاستخدام المحيط لالتقاط ثاني أكسيد الكربون من الهواء وتخزينه لفترة طويلة في المياه، لكنها فكرة لم يقتنع بها جميع العلماء حتى الآن.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
ويعتقد الكثير من العلماء في الوقت الحالي أن تقنيات التقاط الكربون وتخزينه أضحت أمراً حيوياً ومطلوباً، وذلك لأهميتها على الأقل في الحد من الارتفاع الخطير لدرجات الحرارة والتغيرات المناخية.
ومع ذلك، هناك تحدٍ آخر يضاف إلى تنقية الهواء من الكربون، ألا وهو الطلب المتزايد على الهيدروجين الأخضر، كونه البديل الأمثل للوقود الأحفوري في مجالات مثل الصناعة والشحن والطيران، ويتمثل هذا التحدي في أن إنتاج الهيدروجين الأخضر حالياً لا يزال ضئيلاً.
وبناء على ما سبق، فإن إعلان شركة إكواتيك الناشئة، ومقرها في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة، عن ابتكارها آلة قادرة على تخليص الهواء من الكربون باستخدام مياه المحيط، يعد إعلاناً جذاباً ومثيراً للاهتمام؛ لأنه يوفر حلاً للمشكلتين في آن واحد: ارتفاع معدلات الكربون في الهواء، وضعف إنتاج الهيدروجين.
وقال إدوارد ساندرز، الرئيس التنفيذي لشركة إكواتيك: "لدينا تقنية تهتم بكلا الأمرين بشكل جيد للغاية؛ الأمر الأول هو أننا نخلص الغلاف الجوي من ثاني أكسيد الكربون ونخزنه بشكل دائم. والأمر الثاني هو إنتاج الهيدروجين الأخضر".
وتعد شركة إكواتيك من بين الشركات التي تبحث في إمكان استخدام المحيط لالتقاط وتخزين الكربون على المدى البعيد، كبديل للمقترح الشائع بحقن الكربون في الصخور تحت سطح الأرض، وتقول إنها الشركة الوحيدة التي تنتج أيضا الهيدروجين الأخضر في هذه العملية.
ومع ذلك، هناك من لا يستحسن فكرة تخليص الكربون من الجو باستخدام مياه المحيط.
وتقول ماري تشيرش، مديرة حملة الهندسة الجيولوجية في مركز القانون البيئي الدولي (Ciel)، وهي شركة محاماة بيئية غير ربحية مقرها جنيف في سويسرا، إن هناك "مخاطرة كبيرة عند التخلص من ثاني أكسيد الكربون باستخدام مياه المحيط".
وتشرح ماري أن هذه العملية "يمكن أن تغير كيمياء المحيط، ما يؤدي إلى تغير مستويات المغذيات ووفرة أنواع الكائنات البحرية، وله عواقب وخيمة على النظم البيئية".
ويشعر آخرون بالقلق حيال جدوى عملية التخلص من الكربون باستخدام مياه المحيط، وحجم تأثيرها على الانبعاثات الكربونية.
ومع تدفق عشرات ملايين الدولارات الآن على شركات مثل إكواتيك، فإن تنقية الهواء بالكيفية المذكورة تشهد سعياً حثيثاً كي تحتل قمة جدول أعمال المناخ. ويقول المنتقدون إن الجهات التنظيمية وبقية العالم، في حاجة إلى مواكبتها.
ويلعب المحيط بالفعل دورا كبيرا في حماية البشر من التغيرات المناخية، رغم عدم الاعتراف بهذا الدور؛ حيث يمتص المحيط أكثر من 90 في المئة من الحرارة الناتجة عن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، كما يمتص ربع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على الأقل.
ويتزايد الاهتمام العلمي حالياً بحجم ثاني أكسيد الكربون الذي سيخزنه المحيط بشكل طبيعي في المستقبل.
وأدى التزايد المستمر للانبعاثات العالمية إلى اعتقاد كثير من العلماء بضرورة التدخل للتخلص من كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. وحتى الآن، ينصب الاهتمام على التقنيات الموجودة على اليابسة لا في الماء، مثل امتصاص ثاني أكسيد الكربون باستخدام الأشجار أو غيرها من النباتات، أو التقاطه مباشرة من الهواء، ثم دفنه في باطن الأرض.
وتحاول عملية تنقية الهواء من الكربون في المحيط استخدام الآلية ذاتها المعتمدة على صرف الكربون الزائد في المحيط، إلا أنها لا تزال قيد التجربة حتى الآن ولم تستخدم على نطاق واسع، بل ولم تخضع لاختبارات دقيقة بعد، لكنها في تصاعد، لاسيما مع تخصيص عشرات ملايين الدولارات لهذا القطاع من جانب شركات عملاقة في مجال التكنولوجيا، مثل مايكروسوفت وشوبيفاي، فضلاً عن العديد من شركات الطيران.
وتقول سيفانج تشين، مستشارة العلوم والابتكار في شركة كاربون 180، وهي منظمة غير ربحية مقرها واشنطن تدافع عن حلول التخلص من ثاني أكسيد الكربون: "المحيط شاسع للغاية، والتخزين الطبيعي يشكل ميزة أساسية [مقارنة بالتقنيات القائمة على اليابسة]".
وتضيف سيفانج، "تخزين ثاني أكسيد الكربون المُزال [في الماء] أقل تكلفة، ولا نحتاج إلى نفس البنية الأساسية كخطوط الأنابيب التي نستخدمها لالتقاط الكربون من الهواء مباشرة".
وتوضح أيضاً أن الكربون الملتقط "مستقر للغاية"، قائلة إن إكواتيك إلى جانب شركة إب كاربون، ومقرها سان كارلوس في كاليفورنيا، التي تعمل تقنيتها أيضاً على تقليل حموضة المحيطات، من المتوقع أن تتمكنا معاً من وضع الكربون في الماء بشكل مستدام لأكثر من ألف عام.
وتعمل تقنية إكواتيك بالشكل التالي: أولاً، تضخ مياه البحر في جهاز التحليل الكهربائي، وهو جهاز يستخدم الكهرباء لتقسيم الماء إلى هيدروجين وأكسجين، وتشغله إكواتيك بالكهرباء النظيفة المتمثلة في طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية أو الطاقة الكهرومائية.
ويحوّل هذا الجهاز مياه البحر إلى غاز الهيدروجين وغاز الأكسجين وتيار حمضي ومزيج قلوي من مواد تعتمد على الكالسيوم والمغنيسيوم. وفور تعرض المزيج القلوي للهواء فإنه يسحب ثاني أكسيد الكربون ويحتجزه، ثم يصرفه في مياه البحر.
والخطوة الأخيرة هي تحييد تيار النفايات الحمضية بتمريره على الصخور لتترسب فيها هذه النفايات، قبل تصريفها في البحر، لتجنب زيادة حموضة المحيطات.
وتقول الشركة إن ثاني أكسيد الكربون الذي تلتقطه ينتهي به الأمر في المحيط على هيئة أيونات بيكربونات مذابة وكربونات معدنية صلبة، وهي الأشكال التي يظل ثاني أكسيد الكربون فيها ثابتاً لمدة 10 آلاف عام بل وحتى مليارات السنين.
وتتفق سيفانج مع هذا الرأي، وتقول: "في الطرق الكهروكيميائية التي تحوّل ثاني أكسيد الكربون إلى كربون مستقر مثل الكربونات الصلبة، يجرى حبس أو تخزين ثاني أكسيد الكربون بشكل دائم، ويظل مستقراً في الماء ولا يمكن إطلاقه في الجو مرة أخرى، ما لم تتعرض مياه المحيط، التي تحوي الكربونات، للتسخين إلى درجة حرارة عالية تبلغ حوالي 900 درجة مئوية، وهو أمر مستحيل مستقبلاً".
ومع ذلك، هناك من لا يتفق مع هذا الرأي.
يقول جيمس كيري، عالم البحار والمناخ في أوشن كير، المنظمة غير الربحية للحفاظ على البحار ومقرها سويسرا، والأستاذ في جامعة جيمس كوك في أستراليا، إن "إزالة ثاني أكسيد الكربون وتخزينه في البحار بصورة كبيرة، قد يضر بالدور المهم الذي تلعبه المحيطات في المناخ والأمن الغذائي وإنتاج الأكسجين".
وعن التقنيات المستخدمة، يوضح كيري أن هذه التقنيات تشكل "تهديدات كبيرة لحقوق الإنسان والبيئة، خاصة فيما يتعلق بنطاق استخدامها".
رداً على هذا الانتقاد، يوضح شين تشين، كبير العلماء والمؤسس المشارك في شركة إكواتيك، أن "مفتاح عملية الشركة هو تطوير أنود (مَصعَد أو قطب كهربائي) انتقائي للأكسجين، يسمح بإجراء التحليل الكهربائي المباشر لمياه البحر الخام لإنتاج الهيدروجين، بدون إنتاج غاز الكلور أيضاً".
ويعد الكلور غازاً ساماً يسبب التآكل، وينشأ أثناء تحليل مياه البحر بالكهرباء، ما يعني أن مياه البحر تحتاج عادة إلى تحلية لإزالة الأملاح (كلوريد الصوديوم) قبل استخدامها في التحليل الكهربائي لتجنب إنتاج الكلور.
ويقول تشين إن التقنية الجديدة "كالكأس المقدسة لخبراء الكيمياء الكهربائية، حيث يمكنهم إجراء التحليل الكهربائي المباشر لمياه البحر دون خطوات إضافية لتحلية مياه البحر".
ويركز مختبر تشين حالياً على إنتاج قطب كهربائي خالٍ من مجموعة نادرة ومكلفة من العناصر، تسمى معادن مجموعة البلاتين.
ويقول إن الإمدادات المحدودة من هذه المعادن النادرة، قد "تعطل سلسلة التوريد" مستقبلاً، في حال توسع أعمال شركة إكواتيك. ويوضح أن الفريق أنشأ بالفعل قطباً كهربائياً من الجيل الثاني بدون استخدام هذه المعادن، لكن داخل المختبر، ويحتاج الآن إلى اختباره خارج المختبر.
ورغم أن الأمر لا يزال مبكراً بالنسبة لشركة إكواتيك، إلا أنها تعمل على التوسع في نشاطها.
ففي أوائل عام 2023، بدأت الشركة تشغيل مصنعين تجريبيين على الصنادل وهي مراكب أو عبّارات مسطحة، في سنغافورة ولوس أنجلوس، ونجح كل منها في إزالة ما يقرب من 30-40 طناً من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، أي ما يعادل الانبعاثات الكربونية السنوية لحوالي ثماني سيارات.
وتعمل الشركة الآن على بناء أكبر مصنع لإزالة ثاني أكسيد الكربون في العالم في سنغافورة، على أن يكون أكبر بمقدار 100 مرة من المصنعين التجريبيين، حيث يزيل 4000 طن من ثاني أكسيد الكربون وينتج نحو 100 طن من الهيدروجين سنوياً.
وتعمل الشركة أيضاً في المراحل الأولى لبناء مصنع لجمع الكربون على نطاق تجاري واسع في مقاطعة كيبيك بكندا، يعمل بالطاقة الكهرومائية.
وتخطط الشركة لرفع قدراتها لسحب أكثر من 100 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون، وإنتاج 3600 طن من الهيدروجين. ويقول ساندرز إن المصنع، الذي سيغطي حوالي 30 فدانا (12 هكتارا)، سيبدأ العمل في نهاية 2026 على أقرب تقدير.
وتعد سياسة التوسع في إنشاء المصانع ضرورية لبدء تشغيل مشروع التخلص من الكربون، وتخفيف الضغوط التي تواجهها الشركة فيما يتعلق بخفض التكاليف وإثبات أن تقنيتها الخاصة بسحب الكربون، قابلة للتطبيق على أرض الواقع.
ويقول ساندرز، الرئيس التنفيذي لإكواتيك، إن الشركة صممت هذه التكنولوجيا للامتثال للوائح البيئية الحالية. موضحاً أن التحدي تمثل في تصميم نظام قوي يتوافق مع تصاريح التخطيط المعمول بها حالياً، ويكون منخفض التكلفة ليصبح في متناول الجميع على نطاق واسع.
وتستهدف الشركات العاملة في التخلص من الكربون مثل إكواتيك، الحصول على تعويض الكربون أو أرصدة الائتمان الكربوني التي تعرف بـ (كربون كريديت).
وتعمل آلية الائتمان الكربوني من خلال تفعيل مخطط لالتقاط كمية محددة من ثاني أكسيد الكربون، وتخزينها بشكل دائم (نظرياً على الأقل)، وتباع كمية الكربون التي نجحت الشركة في سحبها من الهواء كرصيد ائتماني أو تعويض، بحيث يمكن لشخص آخر شراء هذا الائتمان، أي أن هذا الشخص يموّل عملية سحب الكربون من مكان ما، مقابل ما يقوم به من انبعاثات في مكان آخر.
ويقول أسبيورن تورفانغر، الباحث في اقتصاد المناخ والسياسة في مركز أبحاث المناخ الدولي في النرويج، إن العملاء الرئيسيين للائتمان الكربوني حالياً هي "الشركات الموجودة في السوق التطوعي للتخلص من الكربون، والتي تهدف إلى الحياد الكربوني".
ويضيف أن المزيد من "الحوافز قد تكون في طريقها من خلال أسواق الامتثال"، فالاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، "يطور مخططاً لشهادات التخلص من ثاني أكسيد الكربون".
ومع هذا، شهد العالم موجة من الفضائح حول مدى نجاح العديد من الشركات العاملة في الائتمان الكربوني، في تحقيق خفضٍ أو امتصاص فعلي لانبعاثات الكربون، منها التحقيقات التي أجرتها صحيفة الغارديان ووكالة بلومبيرغ.
ونتيجة لهذا، فإن الشكوك تتزايد حول جدوى الائتمان الكربون. وقد دفع هذا شركة إكواتيك إلى تنفيذ عملية سحب الكربون بالكامل من خلال نظام مغلق داخل مصنعها، بعد أن كانت تخطط في البداية لتفريغ تيار قلوي في البحر، والذي من المفترض أن يلتقط الكربون في نهاية العملية عن طريق تبادل الغازات بين الهواء والبحر.
ويقول ساندرز إن هذا النظام يسمح للشركة "بقياس وإثبات" كمية ثاني أكسيد الكربون التي تجمعها بالفعل من الجو بسهولة أكبر، مضيفاً أن هذا "كان تحدياً هندسياً آخر لم يتصور الفريق أبدا أنهم سيضطرون إلى مواجهته، لإثبات صدق ونجاح عملية التخلص من الكربون بالفعل".
وكشف ساندرز أن شركة إكواتيك تستهدف النجاح في التخلص من طُن من ثاني أكسيد الكربون بأقل من 100 دولار بحلول عام 2030، ومن ثم بيع الائتمان الكربوني من مصنع كيبيك في كندا بحوالي 200 دولار للطن الواحد.
ويضيف: "نعتقد أن التسعير ينبغي أن يكون أقل من 30 دولاراً للطن الواحد، لتحفيز الطلب في السوق بشكل صحيح. ومع ذلك، لن نصل إلى هذا الهدف قبل سنوات عديدة، على الأقل بداية ثلاثينيات هذا القرن".
ومع ذلك، يمكن للشركة تحقيق دخل إضافي من هذه العملية من خلال إنتاج الهيدروجين الذي يمكن بيعه أيضاً، كما يقول ساندرز، الذي اعترف بأن جهاز التحليل الكهربائي المستخدم حالياً في العملية، أقل كفاءة من جهاز التحليل الكهربائي التقليدي في إنتاج الهيدروجين، إلا أنه سيساعد في العملية.
وتخضع إكواتيك بالفعل لاتفاقية خيار الشراء المسبق مع شركة بوينغ لإنتاج الطائرات، وذلك بعد إزالة 62 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون وإنتاج 2100 طن من الهيدروجين لاستخدامها في وقود الطائرات، وهو اتفاق دخل في مرحلة شبه نهائية حالياً، إلى جانب اتفاقيات أخرى مع مجموعة من شركات أخرى معنية بالتخلص من الكربون، لبيع الائتمان الكربوني للحكومة الأمريكية مقابل 460 دولاراً لكل طن كربون يُزال، كجزء من مشروع تحفيزي.
إذا ماذا يمكن أن تحقق شركة إكواتيك في مجال إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي فعلياً؟
يقول الرئيس التنفيذي للشركة: "سنكون قادرين على خفض 20 في المئة من الانبعاثات العالمية [الحالية]، بإنشاء 1200 مصنع تعمل بالتقنية الحالية."
ويضيف ساندرز أن هذا يعني إنشاء محطات أكبر بكثير، تبلغ قدرتها 1 غيغاوات، يمكن لكل منها إزالة حوالي 3.6 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، أي أكثر بنحو 36 مرة من المحطة التجارية الجاري العمل عليها في كيبيك.
ومع ذلك، يعترف بأن هذا مجرد طموح، لكن من الناحية النظرية ستكون إكواتيك قادرة على التوسع والوصول إلى هذا المستوى في منتصف أربعينيات القرن الحالي.
ويقول: "بالنظر إلى مشروعات البنية التحتية، لقد رأينا هذا النوع من الانتشار الساحلي من قبل"، مشيراً إلى انتشار أكثر من 20 ألف محطة تحلية مياه البحر على السواحل في جميع أنحاء الكوكب.
ولكن حتى مع قيام شركات مثل إكواتيك بالترويج لعملياتها ومضاعفة خطط التوسع الضخمة، يشعر الكثيرون بالقلق من أن الزيادة السريعة في استخدام تقنيات التخلص من الكربون في المحيطات ليست فكرة جيدة.
وترى ماري تشيرش أنها "سوف تؤثر بشكل كبير على المناخ؛ لأن إزالة ثاني أكسيد الكربون باستخدام مياه البحار ستكون عملية غير متوقعة بطبيعتها وتشكل مخاطر كبيرة وجديدة وغير مسبوقة على النظم البيئية الهشة التي تدعم الحياة على الأرض."
وتضيف القانونية السويسرية أن هذه الشركات، "لا تفعل شيئا لمعالجة الأسباب الجذرية لأزمة المناخ. بدلاً من ذلك، تخلق وهماً من خلال إصلاح سريع، ما يؤخر الحلول الحقيقية لأزمة المناخ ويطيل الاعتماد على الوقود الأحفوري".
كما يشعر كيري بالقلق من أن عملية إكواتيك قد تتسبب في "خلق مياه ميتة"، ما "يقتل الحياة البحرية" بسبب معالجة مياه البحر، مشيراً إلى أنها ستعالج ما لا يقل عن 350 طنا من مياه البحر مقابل تخليص الجو من طن واحد من ثاني أكسيد الكربون، وفقاً لتقديرات إكواتيك نفسها.
ويرى أنه حتى لو تمكنت هذه الصناعة من التوسع بمقدار ألف ضعف، فإن دورها سيظل ضئيلاً في التخفيف من أثر تغير المناخ.
ويقول كيري إن حتى الطرق الأكثر تقدماً للتخلص من ثاني أكسيد الكربون على اليابسة، لا تلتقط سوى الحد الأدنى من ثاني أكسيد الكربون، معلقاً بأنه "لا يمكننا ولا ينبغي لنا الاعتماد على هذه الأنواع من التقنيات كحل لأزمة المناخ".
ففي عام 2023، نشرت منظمة أوشن فيجنز غير الربحية رسالة مفتوحة، وقع عليها حتى الآن أكثر من 400 عالم، تحذر من مخاطر إزالة ثاني أكسيد الكربون باستخدام مياه المحيطات.
وجاء في الرسالة: "رغم أن هذه الأساليب لدليها إمكانات هائلة، إلا أنها تحمل مخاطر كذلك. فلا نملك حتى الآن معلومات كافية تقريبية حول فعالية أو تأثير أي نهج محدد من هذه التقنيات، وبالتالي لا يمكن اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن استخدامها على نطاق واسع".
ودعت الرسالة إلى تطوير "أُطر صارمة وشفافة لمراقبة وتقييم" هذه التقنيات.
وفي الوقت الذي يصف فيه تورفانغر تقنية إكواتيك بأنها "مثيرة للاهتمام"، إلا أنه يحذر أيضاً من تأثيرات بيئية سلبية محتملة نتيجة التوسع الكبير، موضحاً "ستتأثر كيمياء المحيط، فضلاً عن بعض التأثيرات البيئية لاستخراج الكميات المطلوبة من الصخور المستخدمة في استخلاص ثاني أكسيد الكربون".
ويرد ساندرز على هذه المخاوف بأن العملية لا تخلق "مياه ميتة"، بل وتعمل على استعادة التوازن الكيميائي لمياه البحر قبل التفريغ.
وألمح إلى أن إكواتيك ستعمل على تقليل مستوى التركيزات في المياه الناتجة عن عملية استخلاص الكربون، لتكون أقل حتى من المعايير العالمية واللوائح المحلية، وستراقب مناطق التفريغ على أساس مستمر باستخدام العوامات.
ويضيف أنها ستحتاج أيضاً إلى إجراء دراسات للنظام البيئي البحري قبل افتتاح أي مصنع. وبينما تتطلب العملية حوالي طن من الصخور لكل طن من ثاني أكسيد الكربون المُزال، يوضح ساندرز أن هناك "كميات كبيرة من الصخور المهدرة في جميع أنحاء العالم لهذه العملية"، مثل الصخور التي تُستخرج بالفعل للوصول إلى المواد الخام.
ومع ذلك، فإن ماري تشيرش وكيري وتورفانغر يعتقدون أن ثمة حاجزاً كبيراً آخر ينبغي التعامل معه، يتمثل في استخدام الموارد والطاقة.
وتقدر شركة إكواتيك احتياجها بـ 2.3 ميغا ساعة لكل طن من الكربون يُزال من الهواء، وهذا يعني أن سحب 20 في المئة من ثاني أكسيد الكربون المنبعث عالمياً في عام 2023 على سبيل المثال، سوف يستنزف حوالي 50 في المئة من إمدادات الكهرباء العالمية في ذلك العام.
ويدفع ساندرز بأن الهيدروجين الناتج عن هذه العملية سيعيد للعالم حوالي ثلث تلك الطاقة المستنزفة.
ومن الجدير بالذكر أيضاً أن النظام سيكون قادراً على استخدام الطاقة المرنة. على سبيل المثال، يمكنه استخدام طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية الإضافية عند الحاجة، بحسب ساندرز.
واعترض ساندرز كذلك على القول بأن إكواتيك "لا تفعل شيئًا لمعالجة السبب الجذري لتغير المناخ"، لأنها تزيل فقط ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، لكنها "تخزنه بشكل دائم وتنتج أيضاً هيدروجيناً نظيفاً يمكن أن يحل محل الوقود الأحفوري عالي الانبعاثات".
ويقول: "نحن بحاجة إلى تقنيات للتخلص من ثاني أكسيد الكربون والتقليل من انبعاثه"، مضيفاً أن "عدم القيام بأي شيء لا يعد عملاً إيجابياً. فعلينا التخلص من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون القديمة من الغلاف الجوي لتقليل الإجهاد الناجم عن المناخ [كالحرارة والحموضة] الذي يحدث في محيطاتنا".
ويضيف أنه على غرار صناعات كالطاقة الشمسية، فإن التخلص من ثاني أكسيد الكربون سوف تستغرق وقتاً للتتطور.
من جانبه، كشف بن تاربيل، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة إيب كاربون، عن أن العمل في مصنع شركته التجريبي، صُمم لضمان استناد "كل خطوة نتخذها من البحث إلى النشر، إلى علم صارم".
ويقول تاربيل لبي بي سي: "إن التخلص من ثاني أكسيد الكربون ليس بديلاً عن خفض الانبعاثات"، مشيراً إلى نتائج الأبحاث العلمية التي تؤكد أن خفض الانبعاثات والتخلص من ثاني أكسيد الكربون لهما القدر ذاته من الأهمية.
ويضيف: "إذا كنا سنحاول السيطرة على الاحتباس الحراري، فنحن بحاجة إلى حلول للتخلص من الكربون، تكون قادرة على مواكبة ضرورات التعامل مع أزمة المناخ".
كما تلخص سيفانج تشين الجدل الحالي، بأن هناك أربعة تحديات رئيسية يجب معالجتها فيما يتعلق بالتخلص من الكربون باستخدام مياه المحيطات: قصور الحوكمة أو القدرة الإدارية، وضآلة القاعدة المعرفية، وعدم تطور عمليات الرصد والتحقق، وعدم التيقن بشأن التأثيرات البيئية والاجتماعية.
وتقول سيفانج، مستشارة العلوم والابتكار في شركة كاربون 180: "ستكون السياسات الجيدة من الأهمية بمكان لحماية النظم البيئية في محيطاتنا وحماية المجتمعات الساحلية كذلك".
في حين ترى زميلتها شارلوت ليفي، مستشارة العلوم والابتكار في شركة كاربون 180، أننا في نهاية الأمر سوف نحتاج إلى توسيع عمليات التخلص من الكربون لتحقيق الهدف البيئي الرئيسي وهو الحد إلى ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية.
وتضيف أن التخلص من الكربون من المحيطات هو "إحدى الأدوات المتاحة لنا" لتحقيق هذه الغاية، ومع هذا "لا يوجد حل للتخلص من الكربون مستقبلاً أفضل من التخفيف من الانبعاثات الكربونية الحالية".
تعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}