تخلفت زامبيا عن سداد الفوائد المستحقة على سنداتها الدولية قبل عامين ونصف العام، حيث واجهت البلاد أزمة اقتصادية ومالية تفاقمت بفعل الوباء، والآن لا تزال غير قادرة على حل مشكلة التخلف عن سداد معظم ديونها البالغة 31.6 مليار دولار.
ولعل فشل البلاد في التوصل إلى اتفاق مع الدائنين لهيكلة الالتزامات، أحد أبرز الأمثلة الحية على فوضوية التعامل مع حالات الإفلاس الحكومي، والتي يخشى بعض الخبراء من أنها انهارت تمامًا في زامبيا الآن.
والعواقب قد تكون وخيمة على عدد كبير آخر من البلدان التي تخلفت بالفعل عن سداد ديونها في الفترة الماضية، وهو موضوع شائك كان على رأس جدول أعمال اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن خلال أبريل الجاري.
وفي ملاحظاتها الافتتاحية خلال الاجتماعات، أشارت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي "كريستالينا جورجيفا" إلى أن نحو 15% من البلدان منخفضة الدخل تعاني بالفعل من "ضائقة ديون" وأن 50% تقريبًا معرضة لخطر السقوط فيها.
وقالت للحضور: "أثار هذا مخاوف بشأن موجة محتملة من طلبات إعادة هيكلة الديون، وكيفية التعامل معها في وقت تواجه فيه حالات إعادة الهيكلة الحالية تأخيرات مكلفة، وكانت زامبيا أحدث مثال على ذلك".
وضع عالمي هش
- في حين أن القوانين تحكم حالات إفلاس الشركات والأفراد، لا يوجد قانون دولي للبلدان المعسرة، فقط عملية فوضوية تقوم على مجموعة من البنود التعاقدية، إلى جانب مفاوضات مضنية تغلفها تأثيرات جيوسياسية.
- قبل عقد من الزمان، استغل صندوق التحوط "إليوت مانجمنت" الأمريكي هذا المشهد الفوضوي لتحقيق مكاسب عبر مقاضاة المتعثرين، وهذا الوضع الهش يواجه خطر الانهيار الكامل الآن بسبب الصين، التي يعتقد مراقبون غربيون أنها قوة ومدمرة وغامضة في سوق الديون السيادية.
- يقول بعض الخبراء إن فورة إقراض بكين للدول النامية، ورفضها اتباع القواعد التي وضعها الغرب، يمثل أكبر عائق منفرد لتسوية الديون الحكومية ويهدد بترك بعض البلدان في مأزق ديون لسنوات.
- لكن موقف بكين لا يتعلق بالمنطق الاقتصادي بقدر ما يتعلق بالمنافسة الجيوسياسية، حيث إن المؤسسات المالية المتعددة الأطراف يديرها أمريكيون وأوروبيون، وتأمل الصين في أن تكون قادرة على صياغة جدول أعمال تخفيف الديون بنفسها، وليس أن يمليه الغرب عليها.
- يقول "جاي نيومان" المدير السابق لصندوق "إليوت مانجمنت" إن ظهور الصين كلاعب مؤثر، جعل النظام بأكمله في وضع مجهول وغير القواعد تمامًا، حيث أصبح هناك دائن كبير يتمتع بسلطة إملاء الشروط ويصر على عدم عقد الاتفاقات إذا لم تناسبه.
الواقع الجديد أكثر تعقيدًا
- تشير أحدث بيانات صندوق النقد الدولي في نهاية فبراير إلى أن 9 بلدان شديدة الفقر تعاني بالفعل من "ضائقة الديون"، في حين أن 27 دولة أخرى معرضة "لخطر كبير" للوقوع فيها، و26 أخرى على قائمة المراقبة.
- في بادرة ليست مبشرة على ما يبدو، أنشأت شركة "ألفاريز آند مارسال" وهي أحد أكبر مستشاري إفلاس الشركات في العالم، وحدة للممارسات السيادية وعينت على رأسها "رضا باقر"، وهو مسؤول كبير سابق في صندوق النقد الدولي ومحافظ البنك المركزي الباكستاني سابقًا.
- يقول "باقر" إن التوقيت كان مناسبًا لإنشاء وحدة استشارية للديون السيادية، نظرًا لوجود أكثر من 50 دولة في مراحل مختلفة من أزمة الديون، ما يعني أن هناك فرصة لاتباع نهج أكثر شمولية.
- تشكل نادي باريس منذ عقود للتنسيق بين الدائنين الحكوميين، وشكل المصرفيون نادي لندن لإعادة هيكلة ديونهم، وسيطرت الحكومات الغربية بذلك على قيادة مثل هذه العمليات، وأوعزت أحيانًا للبنوك من أجل قبول التسويات الصعبة.
- لكن تراجع الإقراض المصرفي ونمو سوق السندات غير الأمور في ظل موجة التخلف عن السداد التي بدأت في أوائل التسعينيات، وأصبح التنسيق مع الدائنين أكثر صعوبة نظرًا لوجود عدد لا يحصى من حاملي السندات عالميًا، وليس مجرد عدد قليل من البنوك.
فقدان الثقة في الغرب
- أدى تخلف الأرجنتين عن سداد سندات بقيمة 80 مليار دولار في عام 2001 إلى سنوات من الصراع بين بوينس آيرس ومستثمرين مثل صندوق "إليوت مانجمنت"، حتى أن الأخير استولى على سفينة بحرية أرجنتينية عندما رست في غانا.
- أصبحت سمعة صندوق"إليوت" من النوع الذي يستحضره حاملو السندات أحيانًا كشبح لإخافة البلدان التي تفكر في التخلف عن السداد، في حين استخدمها صانعو السياسة كدليل ظاهري على نقاط ضعف نظام إعادة هيكلة الديون السيادية.
- في أعقاب كارثة الأرجنتين، استجاب صندوق النقد الدولي بمحاولة إنشاء هيئة أشبه بمحكمة الإفلاس للبلدان، لكن آلية إعادة هيكلة الديون السيادية تعثرت بعدما حظيت بموافقة القليل من دعم أكبر مساهمي صندوق النقد الدولي.
- بدلاً من ذلك، أيدت الولايات المتحدة إدخال "بنود العمل الجماعي" في السندات، والتي تجبر الدائنين العنيدين على قبول اتفاقية إعادة الهيكلة التي تم التوصل إليها بالأغلبية.
- مع ذلك، لا تزال العديد من السندات تفتقر إلى هذه البنود، كما أنها تساعد فقط في تسهيل اتفاقية إعادة الهيكلة بمجرد إبرامها، ويشير العديد من الخبراء إلى أنها لا تفعل شيئًا لحل المشكلة الأساسية.
- المشكلة الأساسية من وجهة نظر الخبراء هي، أن الدول بطيئة جدًا في السعي إلى إعادة هيكلة الديون، لأنها حذرة من خوض عملية فوضوية مع احتمال تفاقم الأزمة الاقتصادية والتعرض لـ"الإذلال السياسي" عند التخلف عن السداد.
الصين تغير القواعد
- في النهاية، أصبحت عملية إعادة الهيكلة معيبة وأكثر تعقيدًا، والأكثر أن البعض يرى أنها تحطمت بسبب برنامج الإقراض الصيني الواسع في العالم النامي على مدار العقد الماضي، حيث إن هذه القروض مبهمة من حيث الحجم والشروط والطبيعة.
- من الصعب الحكم على الحجم الإجمالي لبرامج الإقراض، بالنظر إلى أن الصين لا تكشف عن معظمها لصندوق النقد الدولي أو غيره من الهيئات الدولية، لكن "إيد داتا"، وهي مؤسسة فكرية تنموية تقدر القروض الصينية بنحو 843 مليار دولار.
- الصين ليست عضوًا في نادي باريس، وفي معظم الحالات يتم تقديم القروض من قبل عدد لا يحصى من البنوك المملوكة للدولة أو التي تسيطر عليها الدولة فقط، مما يزيد الأمور غموضًا.
- زامبيا مثال واضح للغاية، فمن بين 20 مليار دولار تقريبًا من الديون الخارجية التي سجلها صندوق النقد الدولي عند تشكيل برنامجه في عام 2022، جاء الجزء الأكبر من الصين بنحو 6 مليارات دولار.
- توصل صندوق النقد الدولي إلى اتفاق دعم مع زامبيا، لكن حاملي السندات الآخرين لا يريدون تقديم أي إعفاء حتى لا يذهب إلى الصين، رغم أنها وافقت من حيث المبدأ على تخفيض ديونها.
- مع ذلك، يرى خبراء أن بكين لا تريد على ما يبدو أن يذهب أي شيء تقدمه نحو تحسين تعافي الدائنين من القطاع الخاص، وهو ما يقود المشهد إلى مأزق كما الحال في زامبيا التي تراكمت عليها متأخرات الديون.
المصدر: فاينانشيال تايمز
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}