نبض أرقام
02:00 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/23
2024/11/22

تزوير الإسترليني والدولار.. مغامرة "هتلر" التي ربما كان بإمكانها إنقاذه

2020/07/04 أرقام - خاص

في نوفمبر من عام 2000 قامت شبكة التلفزة الأمريكية "سي بي إس" ببث فيلم وثائقي عنوانه "بحيرة هتلر"، استعرضت خلاله جهودها لاكتشاف الكنوز النازية الغارقة في المياه العميقة لبحيرة توبليتز الواقعة بالقرب من جبال الألب النمساوية.
 

 ولإنجاز هذه المهمة استعانت الشبكة الأمريكية بجهود شركة "أوشنيرينج تكنولوجيز" -نفس الشركة التي اكتشفت حطام السفينة تيتانيك- من أجل اكتشاف أعماق البحيرة المتجمدة باستخدام غواصة متطورة صغيرة يقودها رجل واحد.
 

  

وفي نهاية عملية البحث، تمكنت الشركة بالفعل من اكتشاف جبال من الصناديق الخشبية القابعة في قاع البحيرة والتي تبين أنها تحتوي على كميات كبيرة من الإسترليني والدولار الأمريكي ولكن مزورة.
 

وعلى الرغم من أن الكنوز النازية الثمينة الحقيقية لم يتم اكتشافها إلا بعد ذلك بسنوات إلا أن الصناديق التي عثرت عليها "أوشنيرينج تكنولوجيز" سلطت الضوء على واحدة من أهم المغامرات الاستخباراتية التي خاضها رجال "هتلر" قبل هزيمة ألمانيا في نهاية الحرب العالمية الثانية.
 

"عملية برنهارد"
 

في عام 1939 بدأ الألمان في إعداد خطة لتقويض الاقتصادين البريطاني والأمريكي تعتمد بشكل أساسي على زعزعة استقرار العملة، وأطلق على هذه العملية اسم "عملية برنهارد" نسبة إلى الضابط بجهاز الأمن الرئيسي للرايخ "برنهارد كروجر" والذي وضع الخطة بالتعاون مع ضابط قوات الأمن الخاصة "ألفريد ناويوكس".
 

انتهى الضابطان من إعداد الخطة التي كان يشرف عليها كبار المسؤولين النازيين في عام 1942. وفي ذلك العام أشرف "برنهارد" على تدريب 140 سجينًا من اليهود المعتقلين في معسكر ساكسنهاوزن الواقع بالقرب من برلين على كيفية تزوير الأوراق النقدية.
 

   

قيل لهؤلاء السجناء إنهم سيحصلون على معاملة أفضل تتمثل في أن تتاح لهم أشياء مثل الراديو والصحف والأسرة الدافئة إذا شاركوا في تلك العملية. كان كل ما عليهم فعله هو تزوير نحو 400 ألف ورقة من العملة البريطانية كل شهر.
 

وعلى الفور تم تفريغ اثنتين من الثكنات الرئيسية بالمعسكر وإحطاتهما بأسوار من الأسلاك الشائكة قبل أن يتم إيداع السجناء المدربين على التزوير فيهما لبدء العمل على تزوير كميات كبيرة من الإسترليني والدولار الأمريكي بالاستعانة بمجموعة كبيرة من الطابعات والأحبار.
 

إسقاطها من الطائرات
 

في غضون أقل من عامين تمكنت المجموعة من طباعة نحو 9 ملايين ورقة تقدر قيمتها الاسمية بنحو 134 مليون جنيه إسترليني، كانت من أكثر العملات المزيفة إتقانًا في التاريخ لدرجة جعلتها شديدة الشبه بالعملة الأصلية.
 

كان قائد القوات الخاصة الألمانية "هاينريش هيملر" ينوي أن يرمي الملايين المزورة من الإسترليني من الطائرات في جميع أرجاء بريطانيا، فعلى الرغم من أنه كان بوسع أي خبير اكتشاف أن هذه الأوراق مزورة إلا أنها كانت جيدة بما يكفي لخداع العامة.
 

ولذلك إذا تم إلقاء كمية كبيرة منها للناس وأعلنت الحكومة البريطانية أنها مزيفة ورفضت تسلمها، فسوف يعتقد الكثير من البريطانيين أن حكومتهم تحاول فقط التنصل من الاعتراف بهذه الأموال وهو ما يتسبب في فقدان الناس للثقة في العملة المحلية، وإذا قبلتها منهم سيزيد التضخم وترتفع الأسعار وسيدخل الاقتصاد في دوامة قد لا تنتهي إلا بانهياره.
 

   

لا يعلم على وجه الدقة لماذا لم يقدم الألمان على تنفيذ هذه الخطوة، غير أن الثابت هو أنهم استخدموا بالفعل كميات كبيرة من الأموال المزورة في شراء احتياجاتهم من المواد الخام بل وحتى في الدفع لعملائهم وجواسيسهم في الخارج.
 

بالإضافة إلى الإسترليني والدولار، طلب الألمان من السجناء الـ140 تزوير مجموعة واسعة من بطاقات الهوية المدنية والعسكرية وجوازات السفر وشهادات الميلاد والطوابع وغيرها من الأوراق الرسمية البريطانية والأمريكية.
 

بعد أن أنتج الفريق عينات من ورقة فئة المائة دولار أمريكي، وقبل يوم واحد من الإنتاج الكثيف لكميات كبيرة منها قرر الألمان في الثاني والعشرين من فبراير 1945 وقف العمل فورًا وتفكيك الآلات والاستعداد لنقل كل شيء بما في ذلك الفريق إلى غرب النمسا.
 

التخلص من كل شيء.. حتى الفريق!
 

كان التقدم السريع للجيش السوفييتي تجاه الأراضي الألمانية في أوائل عام 1945 يستلزم إجلاء الفريق من معسكر ساكسنهاوزن إلى معسكر الاعتقال في ماوتهاوزن في النمسا، ولكن في منتصف شهر أبريل تم نقل السجناء والآلات مرة أخرى إلى أحد المصانع المهجورة في بلدة "ريدل زيبف" النمساوية، وقبل أن يستعدوا لاستئناف التزوير صدر أمر آخر.
 

بحلول الأسبوع الأخير من شهر أبريل أمرت القيادة الألمانية الضباط المشرفين على العملية بالتخلص من الآلات والأموال المزورة وكذلك من السجناء المشاركين بالعملية، وفي تصرف يائس، ألقت قوات الأمن الألمانية الخاصة بالآلات والصناديق المليئة بالعملات المزورة في بحيرة توبليتز القريبة من المصنع.
 

  

واستعدادًا للتخلص منهم، أمر الضباط الألمان الفريق في بداية شهر مايو بالانتقال إلى معسكر إبينسي، وهو المكان الذي ينوون قتلهم معًا فيه، ولكن بسبب وجود شاحنة واحدة فقط لنقل السجناء، تطلب نقل الفريق المكون من 140 شخصًا ثلاث رحلات ذهابًا وإيابًا.
 

تم نقل أول دفعتين من الفريق بنجاح إلى المعسكر ووضعهما تحت حراسة مشددة بعيدًا عن باقي السجناء الموجودين هناك. وخلال نقل الدفعة الأخيرة تعطلت الشاحنة وفي هذه الأثناء ثار السجناء بالمعسكر لرفضهم النزول إلى الأنفاق التي اعتقدوا أنه سيتم تفجيرهم فيها وهو ما أدى إلى فرار حراس أول دفعتين.
 

في الرابع من مايو وصلت الدفعة الثالثة أخيرًا إلى المعسكر، ليتفاجأ الضباط بأن أفراد الدفعتين الأولى والثانية قد تمكنوا من الاختباء وسط السجناء وهو ما حال دون قتل أي فرد من الفريق؛ حيث إن الأوامر الصادرة كانت تقضي بأن يتم تصفية أفراد الفريق بالكامل معًا.
 

  

بعد يومين وتحديدًا في السادس من مايو 1945 تمكنت القوات الأمريكية من تحرير السجناء الموجودين بالمعسكر بمن فيهم أفراد الفريق الذين كان من بينهم "أدولف برجر" اليهودي السلوفاكي الذي ساهم لاحقًا في كشف كل التفاصيل المتعلقة بعملية "برنهارد".
 

عن هذه العملية يقول المؤرخ اليهودي "مارفين هير" إنه لو نجح الألمان حينها في مساعيهم واكتملت هذه العملية كما خططوا وأرادوا "لربما كانت نتائج الحرب العالمية الثانية مختلفة تمامًا".
 

المصادر: 

أرقام

الفيلم الوثائقي: Hitler's Lake

المذكرة المرفوع عنها السرية: On the Trail of Nazi Counterfeiters - Central Intelligence Agency

كتاب: Krueger's Men

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.