بعد دعمهم القوي .. كيف كافأ ترامب كبار المتبرعين لحملته الانتخابية؟

في عالم السياسة، لا شيء يُمنح مجانًا، وهو ما تجلّى بوضوح مع وصول "دونالد ترامب" إلى البيت الأبيض، إذ لم يكن فوزه مجرد تتويج لحملة انتخابية شرسة، بل كان أيضًا انتصارًا لجيوش من كبار المانحين الذين فتحوا خزائنهم بسخاء لدعم طموحه.

وعقب إعلان فوزه، وجد هؤلاء المانحون أنفسهم في قلب المشهد السياسي، يجنون ثمار ما دفعوه خلال الحملة الانتخابية على شكل مناصب رفيعة وأدوار مؤثرة في إدارته الجديدة، التي من المتوقع أن تتخذ قرارات تؤثر على مصير بلد بأكمله.

قد لا يبدو الأمر غريبًا لمتابعي انتخابات الرئاسة الأمريكية، إذ يلعب المال دورًا مهمًا في تمويل الحملات الترويجية للمرشحين، لكن ما يثير الدهشة هذه المرة هو تفاقم المشهد، إذ إن نحو ثلث اختيارات "ترامب" في الإدارة الجديدة هم من كبار ممولي حملته.

للاطلاع على المزيد من المواضيع والأخبار عن الانتخابات الأمريكية 2024

فهل عمد الرئيس الجديد إلى تعيين هؤلاء المانحين في مناصب مختلفة بإدارته لمجرد مكافأتهم على موقفهم من الانتخابات الرئاسية وما بذلوه من أموال؟ أم أن نجاح هؤلاء في عالم الأعمال يعكس قدراتهم على تولّي مثل تلك المناصب؟

اختيارات ترامب في إدارته الجديدة

أظهر تحليل أجرته شبكة سي إن إن أن ما يقرب من 30 من اختيارات الرئيس المنتخب "دونالد ترامب" للعمل في إدارته القادمة تبرعوا لحملته أو للمجموعات التي دعمت انتخابه، وذلك من بين 90 شخصًا اختارهم لتولي مناصب بعد فوزه بفترة رئاسية جديدة.

وجاء على رأس تلك القائمة الملياردير "إيلون ماسك"، الذي ظهر كأكبر مانح سياسي مُعلن للانتخابات الرئاسية لعام 2024، إلى جانب آخرين جرى تعيينهم كوزراء أو سفراء في إدارته المقبلة.

وتبرع ثمانية من الذين اختارهم "ترامب" لمناصب في مجلس الوزراء، أو أزواجهم، بنحو 37 مليون دولار من حساباتهم الشخصية لدعم حملته، بقيادة المليارديرة "ليندا ماكماهون"، قطب صناعة مصارعة المحترفين، التي اختارها ترامب للإشراف على وزارة التعليم.

بالطبع عملية تعيين بعض المانحين لم تكن أمرًا مستحدثًا، فخلال فترة رئاسته الأولى عيّن ترامب خمسة أعضاء من مجلس وزرائه الذين تبرعوا بما يقرب من 8 ملايين دولار للجانه أو لمجموعات رئيسية كانت تدعمه.

كما أن الرئيس "جو بايدن" عيّن هو الآخر بعضًا من الذين دعموه خلال فترة حملته الانتخابية قبل أن يفوز بالرئاسة في 2020، وفقًا لسجلات لجنة الانتخابات الفيدرالية.

لكن تبرعات الأفراد الذين حصلوا على مناصب بعد دعمهم ترامب في عام 2024 تتجاوز بكثير تبرعات نظرائهم المعيّنين من قِبل "بايدن" كأعضاء في مجلس الوزراء لمساعدته على الفوز بالبيت الأبيض في عام 2020.

وأظهرت تلك السجلات أن نحو 10 أعضاء من حكومة "بايدن" قدموا تبرعات لحملته أو لجان دعمته في انتخابات 2020، وبلغ إجمالي تبرعاتهم أقل من 100 ألف دولار.

أما "ماسك" الذي لم يشغل منصبًا وزاريًا، لكنه سيسهم في قيادة مبادرة جديدة لوزارة تعمل على زيادة كفاءة الحكومة وإنفاقها، فقد تبرع وحده بأكثر من ربع مليون دولار لمساعدة "دونالد ترامب" في الفوز بالانتخابات الرئاسية.

وبينت الإفصاحات المقدمة للجنة الانتخابات الاتحادية أن أغنى أثرياء أمريكا، تبرع وحده بمبلغ 259 مليون دولار لمجموعات تدعم حملة "ترامب" في انتخابات 2024.

تبرعات الرئيس التنفيذي لتسلا الضخمة جعلته واحدًا من أكبر الممولين لحملة رئاسية في تاريخ الولايات المتحدة، ما ساعده في أن يصبح حليفًا قويًا لـ"ترامب" وشخصا يلعب الآن دورًا رئيسيًا في تشكيل سياسة الإدارة الجمهورية المقبلة.

أما "ليندا ماكماهون" فقد كانت أكبر المانحين من بين أولئك الذين اختارهم "ترامب" لمجلس وزرائه الحالي، وثاني أكثر المساهمين سخاءً، بعد ماسك، بين أعضاء إدارة ترامب المعلنين حتى الأسبوع الماضي.

وذهب معظم مبلغ 21.2 مليون دولار الذي تبرعت به إلى "جمعية اجعلوا أمريكا عظيمة مجددًا"، وهي لجنة تابعة لحملة الرئيس الجديد وأنفقت بكثافة على الإعلان من أجل دعمه في الانتخابات.

ومن بين المتبرعين الآخرين الذين أنفقوا أكثر من مليون دولار واختارهم  "ترامب" في مجلس الوزراء، رئيس شركة كانتور فيتزجيرالد رجل الأعمال "هوارد لوتنيك"، الذي اختاره "ترامب" لشغل منصب وزير التجارة.

وكذلك أيضًا "سكوت بيسنت"، المدير التنفيذي لصندوق التحوط الذي عُين للإشراف على وزارة الخزانة؛ ونائبة الكونغرس السابقة عن ولاية جورجيا "كيلي لوفلر"، التي تولت رئاسة إدارة الأعمال الصغيرة.

وكان زوج لوفلر، جيف سبريشر، من بين المانحين الرئيسيين إذ أسهم بأكثر من مليوني دولار لدعم ترامب، وهو الرئيس التنفيذي لشركة إنتركونتيننتال إكستشينج، التي تمتلك بورصة نيويورك للأوراق المالية.

طريقة اختيار ترامب تواجه انتقادات

شكّل دعم المليارديرات للرئيس الأمريكي خلال حملته الانتخابية الأخيرة تحولًا كبيرًا بعد تراجع الكثير منهم عن تأييده بعد الهجوم العنيف على مبنى الكابيتول الأمريكي من قِبل أنصاره في يناير عام 2021، لكن مع اقتراب موعد الانتخابات استطاع جذبهم مجددًا لدعمه.

وفي تعييناته السريعة، أشاد "ترامب" بمؤهلات مرشحيه، بينما خصّ "ماسك" بالذكر في خطابه بمناسبة فوزه بإعلانه أن "نجمًا قد ولد".

وأثار تزايد تواجد كبار المانحين في إدارة ترامب بعض الانتقادات، إذ يرى مراقبو الحكومة أن ترامب رفع مكافأة كبار المانحين والموالين إلى مستويات جديدة.

وقال دان وينر، مدير برنامج الانتخابات والحكومة في مركز برينان للعدالة: "كان للمانحين الرئيسيين دور في تشكيل السياسة بكل إدارة حديثة، لكن دور ماسك وبعض المانحين الآخرين، يعني أن نفوذهم في أجندة الإدارة القادمة من المرجح أن يكون غير مسبوق".

ويقول "فريد ويرثيمر"، رئيس مجموعة مراقبة الديمقراطية 21، وهو مناصر قديم للقيود على المال في السياسة: "نظام تمويل الحملات مزحة.. ماسك مثال حي لكيفية فشل قوانين تمويل الحملات".

كما أعرب عن قلقه بشأن الإدارات الحكومية التي يقودها مليارديرات قد يفتقدون المهارة في القيام بالوظيفة التي كُلفوا بها.

واعتبر المستشار العام السابق للجنة الانتخابات الفيدرالية لاري نوبل أن الطريقة التي اختار بها ترامب إدارته تعتبر "غير مسبوقة في العصر الحديث".

في المقابل، يرى توم ديفيس، عضو الكونغرس السابق من فرجينيا الذي ترأس الذراع الانتخابية للجمهوريين في مجلس النواب لسنوات عديدة، أنه "لا يوجد خطأ جوهري في الأشخاص الذين كسبوا الكثير من المال ويريدون العطاء من خلال الحكومة".

كما اعتبر أن "حجم مساهمتهم تظهر درجة من الولاء".

وغالبًا ما يكافئ الرؤساء المانحين والحلفاء بمناصب مرموقة، وغالبًا ما يرسلونهم إلى مناصب براقة ومنخفضة الصراع في أوروبا أو منطقة البحر الكاريبي.

وبالفعل انتهجت اختيارات "ترامب" المبكرة للسفراء هذا النمط إذ شملت مليارديرات تبرعوا لجهود إعادة انتخابه، ومن بينهم "وارن ستيفنز" الذي عُين سفيرًا للولايات المتحدة في المملكة المتحدة، و"تشارلز كوشنر" الذي رُشح سفيرًا في فرنسا.

وكان كوشنر قد تبرع بمبلغ مليونَي دولار لجهود مؤيدة لترامب، وحصل على عفو رئاسي في نهاية فترة ترامب الأولى، كما أنه والد زوج "إيفانكا" ابنة "ترامب".

وتحت وابل من الانتقادات اضطر "ترامب" للتراجع عن بعض اختياراته لبعض المناصب مثلما حدث عند اختياره مذيع قناة فوكس نيوز "بيت هيجسيث" لقيادة وزارة الدفاع، والنائب السابق "مات غيتز" كمدعٍ عام في وزارة العدل.

كما اختار شخصية مثل "روبرت كينيدي جونيور" لقيادة وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، والمعروف بتشككه في أهمية اللقاحات، بعد أن تخلى عن ترشحه للرئاسة من أجل دعمه.

تلك الاختيارات جعلت المستشار العام السابق للجنة الانتخابات الفيدرالية "لاري نوبل" يقول إن الطرق المتعددة التي يستغلها "ترامب" لمكافأة كبار المتبرعين له وأصدقائه السياسيين "تحمل مخاطر هائلة على سلامة معظم الأميركيين في المستقبل".

وأشار إلى إن "ترامب تحرك" بسرعة لترشيح "الموالين غير المؤهلين بشكل واضح".

وأضاف "نوبل": "إنه يريد تعيين أشخاص في مناصب تمنح مانحيه من المليارديرات ما أرادوه، حتى لو كان ذلك على حساب سلامة ورفاه غالبية الأمريكيين والأمن القومي للبلاد".

المصادر: أرقام- سي إن إن- رويترز- وكالة الأنباء الفرنسية- أسوشيتد بريس- ذا جاردين