بعد تصريحات صندوق النقد .. هل تمتلك العملات الرقمية للبنوك المركزية القدرة على استبدال النقد؟

نجح النقد في البقاء منذ آلاف الأعوام، بسبب قدرته على القيام بمهام أساسية تشمل اعتباره وسيلة للمدفوعات وتمتعه بالأمان النسبي والحفاظ على خصوصية الأشخاص.

لكن تراجع استخدام النقد بشكل مطرد وتصاعد شعبية العملات المشفرة دفع البنوك المركزية لاستكشاف وتطوير العملات الرقمية خلال السنوات الماضية.

ومؤخرًا، تصاعدت نبرة التوقعات حيال قدرة العملات الرقمية للبنوك المركزية على استبدال النقد في الفترة المقبلة.

ما العملات الرقمية للبنوك المركزية؟

- تمثل العملات الرقمية للبنوك المركزية أو (CBDCs) نسخة رقمية من العملة الورقية للدولة.

- تخضع هذه العملات لتنظيم البنك المركزي، وتعتمد على تكنولوجيا البلوكشين التي تسمح بتحويل المدفوعات مباشرة من البنك المركزي إلى الأفراد.

- تختلف العملات الرقمية للبنوك المركزية عن العملات المشفرة في أن الأخيرة لا تخضع لأي سيطرة من جانب الحكومات أو البنوك المركزية.

- إذا كانت الـ CBDC مخصصة للاستخدام من قبل الأسر والشركات في المعاملات اليومية، فإنه يشار إليها بـ"التجزئة" أو الاستخدام للأغراض العامة.

- تختلف العملة الرقمية للبنك المركزي للتجزئة عن الأشكال الحالية من أدوات الدفع غير النقدية مثل التحويلات الائتمانية والخصم المباشر ومدفوعات البطاقات والنقود الإلكترونية في أن الأولى تمثل التزامات مباشرة على البنك المركزي وليس مسؤولية مؤسسة مالية خاصة.

- على جانب آخر، تستهدف العملة الرقمية للبنك المركزي للجملة مجموعة مختلفة من الأطراف، حيث إنها مخصصة للاستخدام في المعاملات بين البنوك المركزية والمؤسسات المالية الأخرى.

مساعٍ حثيثة للتبني

- تستكشف أكثر من 100 دولة حول العالم العملات الرقمية التابعة للبنوك المركزية، ما يعادل نحو 60% من دول العالم، بحسب صندوق النقد.

- يمثل هذا العدد زيادة ملحوظة مقارنة بشهر مايو 2020 عندما كانت 35 دولة فحسب تستكشف العملات الرقمية للبنوك المركزية.

- كشف مسح لبنك التسويات الدولية شارك فيه 86 بنكاً مركزياً أن 93% من المصارف المشاركة في الاستطلاع تستكشف العملات الرقمية، بينما أشار 58% إلى أنه من المرجح أو المحتمل أن تصدر عملات رقمية للتجزئة على المدى المتوسط أو القصير.

- حتى يونيو الماضي، تبنت 11 دولة فحسب العملات الرقمية للبنوك المركزية، مع وجود 53 دولة في مراحل التخطيط المتقدمة و46 بنكاً تدرس الأمر.

- أصدرت جزر الباهما وجاميكا ونيجيريا وشرق الكاريبي بالفعل عملات رقمية للبنوك المركزية للبيع بالتجزئة.

مزايا الاستبدال المحتمل

- قالت رئيسة صندوق النقد "كريستالينا جورجيفا" إن العملات الرقمية للبنوك المركزية تمتلك القدرة على استبدال النقد، لكن الأمر قد يحتاج إلى بعض الوقت.

- ترى "جورجيفا" أن النقد يعتبر مكلفًا عند توزيعه في الاقتصادات المنعزلة، ما يجعل الـ CBDCs بديلاً أفضل من ناحية التكلفة.

- كما تقدم العملات الرقمية للبنوك المركزية فرصة لتحسين الشمول المالي في الدول التي تشهد عددا محدودا من الحسابات المصرفية، مع تعزيز النظام المالي في الاقتصادات المتقدمة.

- أشارت رئيسة صندوق النقد إلى أن العملات الرقمية للبنوك المركزية تمنح بديلاً آمناً وأقل تكلفة للنقد.

- لا يمكن اعتبار تصريحات مديرة صندوق النقد حدثًا مفاجئًا، بالنظر إلى جهود المؤسسة الدولية في هذا الصدد خلال الفترة الماضية.

- أطلق صندوق النقد في وقت سابق دليلاً للعملات الرقمية للبنوك المركزية، كمرجع لصانعي السياسات حول العالم.

- بالفعل، تدرس العديد من الدول الـ CBDCs، كما تقوم بتطوير اللوائح التنظيمية الخاصة بها لتوجيه تطورات الأموال الرقمية.

- يدفع تراجع استخدام النقد والفوائد الملحوظة للعملات الرقمية للبنوك المركزية للتفاؤل حيال مستقبل الأخيرة كشكل من أشكال المدفوعات.

- قالت سلطات النقد في سنغافورة إن النقد غير متوافق مع الاقتصاد الرقمي، مع تراجع الطلب عليه كوسيلة للدفع وسط توقعات بمزيد من الانخفاض.

- ذكر بنك التسويات الدولية أن استخدام العملات الرقمية للبنوك المركزية في المدفوعات عبر الحدود يمكن أن يقلل من تكاليف الحصول على العملات الأجنبية وتخزينها وإنفاقها.

- تعتقد "جورجيفا" أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعزز بعض فوائد الـ CBDCs من خلال توفير درجات ائتمانية دقيقة ودعم شخصي.

- كما ترى شركة رأس المال الاستثماري "بلوم فينتشرز Blume Ventures" أن العملات الرقمية للبنوك المركزية تتمتع بالقدرة على استبدال النقد في العقد المقبل.

- تمتلك الـ CBDCs القدرة على تعزيز الشمول المالي من خلال توفير وسيلة آمنة وبأسعار معقولة لإجراء المعاملات للأشخاص الذين ليس لديهم إمكانية الوصول إلى الخدمات المصرفية التقليدية.

- قال "أشيس فافاديا" الشريك الإداري لـ"بلوم فينتشرز" إن التوقعات تشير إلى تسارع كبير في العملات الرقمية للبنوك المركزية على مدى الستة إلى الثمانية عشر شهراً المقبلة من حيث نشاط التشغيل والتبني على مستوى الأعمال التجارية.

- لخصت رئيسة صندوق النقد رؤيتها بقولها: "هذا ليس وقت العودة إلى الوراء، يجب أن يواصل القطاع العام الاستعداد لانتشار العملات الرقمية للبنوك المركزية ومنصات الدفع المرتبطة بها في المستقبل".

مشكلات تعوق الطموحات

- رغم الفوائد الكبيرة لاستخدام العملات الرقمية للبنوك المركزية، فإن الأمر لا يخلو من مشكلات قد تعوق إمكانية استبدالها للنقد.

- يشير الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى أنه يلتزم بضمان استمرار سلامة النقد وتوافره، كما أنه يرى العملات الرقمية للبنك المركزي باعتبارها وسيلة لتوسيع خيارات الدفع الآمنة، وليس لتقليلها أو استبدالها.

- الفيدرالي الأمريكي أصدر في يناير 2022 ورقة بحثية ترصد الفوائد والمخاطر الخاصة بالعملات الرقمية للبنوك المركزية، لكنه امتنع حتى الآن عن حسم قراره بشأن تطوير النسخة الرقمية من الدولار.

- تهدد العملات الرقمية للبنوك المركزية بتقليص دور البنوك التجارية في النظام المالي، حيث إن هذه العملات تجعل العلاقة مباشرة بين البنوك المركزية والأفراد بدون الحاجة الملحة حالياً لمؤسسات مالية وسيطة.

- تعتمد البنوك حالياً بشكل كبير على الودائع لتمويل قروضها، لكن في حال تبني الـ CBDC بشكل كبير، فإنها ستكون بمثابة بديل لأموال البنوك التجارية.

- من شأن خفض الودائع في البنوك التجارية أن يزيد نفقات التمويل المصرفي ويقلص توافر الائتمان ويرفع تكلفته على الأسر والشركات.

- تسبب هذا الخطر في مناقشة بعض البنوك المركزية تحديد سقف لمقدار العملات الرقمية التي يمكن للمستخدمين الاحتفاظ بها، في إطار محاولة التعامل مع المخاطر المرتبطة بالبنوك التجارية.

- على جانب موازٍ، قد يتسبب إصدار عملة رقمية للبنك المركزي تقدم معدلات فائدة في الابتعاد عن الأصول الأخرى منخفضة المخاطر، مثل الحصص في صناديق الاستثمار المشتركة وأدوات الدين قصيرة الأجل، ما يهدد بتقليص توافر الائتمان ورفع التكاليف للشركات والحكومات.

- تظهر مشكلة أخرى في استخدام العملات الرقمية وهي الافتقار إلى الإمكانات والتكولوجيا في بعض الدول.

- في يناير 2022، توقفت النسخة الرقمية من عملة Dcash لشرق الكاريبي عن العمل لمدة شهرين بسبب مشكلات تكنولوجية.

- كما قد تكتشف البلدان النامية أنها أصبحت مستبعدة مالياً على الصعيد العالمي في حال تم استخدام الـ CBDCs على نطاق واسع، مع افتقادها للبنية التحتية التكنولوجية الكافية.

- تضاف إلى المخاطر السابقة حقيقة أن العملات الرقمية تفتح الباب أمام المراقبة الحكومية لحيازة الأموال من جانب المستخدمين.

- كما تبرز مخاطر الأمن السيبراني في مقدمة نقاط الضعف المرتبطة بالعملات الرقمية للبنوك المركزية.

- في النهاية، يتوقف مدى إمكانية نجاح العملات الرقمية للبنوك المركزية في استبدال النقد على الكيفية التي ستتبعها البنوك في تخفيف هذه المخاطر والتعامل معها، وإقناع الأفراد بتغيير عادات استمرت مئات الأعوام.

المصادر: أرقام – صندوق النقد الدولي – أتلانتك كاونسل – سي إن بي سي – بنك التسويات الدولية – مجلس الاحتياطي الفيدرالي – إيكونوميك تايمز - بلومبرج