ما سر هيمنة الهنود على المناصب العليا في كبرى الشركات العالمية؟

تقول دراسة لـ "هارفارد بيزنس ريفيو" إن 30% من المديرين التنفيذيين في قائمة أكبر 500 شركة مدرجة بالعالم هم هنود أو من أصول هندية، ولو تصفحت قائمة أكبر 10 شركات تتخصص في التقنية الحديثة والبرمجة والإنترنت فستجد ثلاثة إلى أربعة أسماء أنت تعرف شركاتهم لاستخدامك منصاتها بشكل متكرر في حياتك اليومية مثل تطبيق جوجل المملوك لـ "ألفابيت" أو تطبيق "أوفيس" المملوك لـ "مايكروسوفت".

فهم جذور التفوق الهندي

1- الاندماج مع المجتمع

من الأسباب الرئيسية التي تقف خلف النجاح الهندي في السوق والشركات الأمريكية هو الطباع الشخصية والسلوك الاندماجي مع المجتمع المحيط والمهارات الاجتماعية المرتفعة التي يتمتع بها المهاجر الهندي مقارنة بغيره من مهاجري آسيا مثل الصينيين، فعلى سبيل المثال تجد أن الصينيين يتكتلون في مدن وأحياء صينية ولا يتحدثون سوى مع بعضهم ولا يعملون سوى في شركاتهم، أما الهندي فتجد أصدقاءه من أهل البلد ولا يجد مشكلة في اللغة لأنه أصلا قدم إلى الولايات المتحدة وهو يتحدث الإنجليزية بدرجة أو بأخرى.

2- العلاقات الدبلوماسية

من ضمن جذور نجاح المهاجرين الهنود في سوق العمل الأمريكي هو الإرث الكبير والعلاقات المتميزة والمستقرة بين الولايات المتحدة / أوروبا من جانب والهند من جانب آخر، والتي كانت وما زالت تُعتبر حليفًا غربيًا في جنوب شرق آسيا ويقف حجر عثرة في وجه الصعود الصيني، مما جعله عاملاً مُساعدًا ومحفزًا لنجاح الهنود في السوق والشركات الأمريكية والغربية على حد سواء، بعكس الحال مع المهاجر الصيني أو حتى أبناء الجاليات الصينية التي ولدت في الولايات المتحدة من الجيلين الثاني أو الثالث.

3- الاجتهاد والجد

الهندي مجتهد للغاية، الإحصائيات تؤكد ذلك، الهنود هم أكثر الجنسيات الأجنبية حصولاً على درجة البكالوريوس عند سن الـ 25 وأكثر، والهنود أيضًا هم أكثر الجنسيات الأجنبية العاملة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات وهي ما يطلق عليها STEM اختصار للحروف الأولى من كل مجال، كما أن المهاجر الهندي يذهب إلى المجتمعات الغربية حاملاً لشهادة عليا من جامعة معترف بها في الشركات الأمريكية والأوروبية بفضل تميز العلاقات الدبلوماسية بين بلدانهم وبين "نيودلهي"، وبالتالي فهو يذهب ليعمل في مهن متميزة وليست متدنية.

لا يقتصر التفوق الهندي على قطاعات الـ STEM، بل ينتشر هذا النجاح في مجالات أخرى مثل السياسة والقضاء ويستفيد الاقتصاد الأمريكي من هذا التفوق والإنتاجية العالية حتى أن العديد من قادة الرأي العام في مجتمع الأعمال الأمريكي تطالب بمزيد من التسهيلات لتدفقات المهاجرين الهنود إلى الشركات الأمريكية مثل "Noah Smith"، ومنهم كاتب رأي في بلومبرج والأستاذ المساعد في جامعة "Brook University" حيث يقول: "الجيل الثاني من المهاجرين الهنود والصينيين الذين نشأوا على حافة الفقر بالولايات المتحدة، سوف يسعون إلى الوصول للطبقة المتوسطة العليا، وسعيًا لبلوغ هذا الهدف، يحقق الهنود نجاحًا مذهلاً حتى الآن، خاصة أن معظمهم يتحدث الإنجليزية بالفعل قبل وصوله للأراضي الأمريكية".

جفاف العقول

التفوق الهندي في السوق الأمريكي وأكبر اقتصاد بالعالم أثار مشاعر متضاربة في الوطن الأم، حيث أحس الناس بخليط من الفخر والحسرة أو الفرحة والندم، فمن ناحية يشعرون بالفخر لما حققه ذووهم في الخارج وتحسين سمعة بلادهم وتعزيز صورة الهندي الكفء القادر على إنجاز المستحيل والتحكم في مقود مستقبل الإنسانية عبر تولي هنود لقيادة الشركات التي تفتح الطريق نحو الغد.

ومن ناحية أخرى يشعر الشعب الهندي بالحسرة على عدم استفادة بلادهم وشركاتهم وأسواقهم بإنتاج وإبداعات أبنائهم كما تستفيد منها المجتمعات والاقتصادات الحاضنة لهم مثل المجتمع والاقتصاد الأمريكي، وهو ما أسماه العديد من الكُتاب والمتخصصين في الهند بـ "جفاف العقول أو Brains drain"، وبين جفاف العقول في الهند وثروة العقول في الولايات المتحدة تتلخص قصة الفارق بين بلد يكافح للقضاء على الفقر وآخر يقود البشرية نحو آفاق المستقبل.

المصادر: أرقام –بلومبرغ –هارفاردنس ريفيو - الأمم المتحدة   - منظمة التعاون الدولي - البنك الدولي - المنتدى الإقتصادي العالمي –مجموعة البنك الدولي - البنك المركزي - جهاز الإحصاء الهندي.