برزت عقدة قانونية كبيرة في طريق تحوّل البورصة إلى شركة مساهمة عامة، قد لا تجد حلا لها إلا بتعديل واحد من قانونين: قانون الشركات الجديد أو قانون هيئة أسواق المال.

العقدة تضع هيئة أسواق المال في مواجهة وزارة التجارة، فمن يتنازل ويعدّل قانونه؟ أم ينجح القانونيون في إيجاد مخرج لا يقتل الذئب ولا يُفني الغنم.


برزت المشكلة عندما اكتشفت وزارة التجارة والصناعة مخالفة في عملية تأسيس شركة بورصة الاوراق المالية البورصة لقانون الشركات، حيث اشترطت الوزارة للجنة التأسيسية اجراء تعديل جديد اضافته على مسودة العقد التأسيسي لشركة البورصة ونظامها الاساسي، يتعلق بالمواءمة مع أحكام قانون الشركات التجارية الجديد في ما يخص الفصل بين منصبي رئيس مجلس الادارة والرئيس التنفيذي.

وتكمن العقدة القانونية في أن قانون الشركات التجارية يمنع الجمع بين منصبي الرئيس والرئيس التنفيذي فيما اجاز الجمع بين منصب عضو مجلس الادارة ورئاسة الادارة التنفيذية.

في المقابل تنص المادة 17 من قانون هيئة اسواق المال رقم 2010/7 على ان «يتولى رئيس البورصة عمل المدير التنفيذي وذلك بتنفيذ قرارات البورصة والاشراف على كافة الاجهزة الفنية والادارية ويمثل البورصة امام القضاء طبقا لما يوضحه النظام القانوني للبورصة».

وتنص اللائحة التنفيذية للقانون نفسها في المادة 73 على ان «يتولى رئيس مجلس إدارة البورصة عمل المدير التنفيذي ويمارس اختصاصاته طبقا لما يوضحه النظام الاساسي للبورصة وقرارات مجلس الادارة، كما يتولى الاشراف على كافة الاجهزة الفنية والادارية ويمثل البورصة امام القضاء».

وامام هذه المعضلة من غير المستبعد ان يؤدي هذا التعديل إلى مشروع أزمة جديدة لتأسيس شركة البورصة، على اساس ان النقاشات المرتقبة ستقود إلى صدام بين قانوني الشركات و«هيئة الاسواق»، فهل يكون الحل بتعديل قانون هيئة الأسواق أم بإيجاد مخرج قانوني لاستثناء شركة البورصة من تطبيق قانون الشركات عليها؟

وتقول مصادر مطلعة ان وزارة التجارة افادت اللجنة التأسيسية بان الصيغة الحالية تخالف صراحة وبشكل واضح بنود قانون الشركات الذي نص على وجوب الفصل بين المنصبين، كما ان الجمع يعاكس قواعد الحوكمة المنظمة في هذا الخصوص، فيما اكدت الوزارة على ضرورة ان يتضمن عقد تأسيس شركة البورصة ونظامها الاساسي ما يؤكد على ضرورة الفصل بين منصبي رئيس مجلس إدارة الشركة والرئيس التنفيذي.

ولفتت المصادر إلى ان «التجارة» نبهت اللجنة التأسيسية إلى المخالفة الواقعة، وشددت على ضرورة ان يشمل عقد تأسيس البورصة ما يثبت الفصل بين المنصبين، انسجاما مع متطلبات قانون الشركات في خصوص عضوية مجلس الادارة، مضيفة ان الوزارة افادات ان قانون الشركات يجبّ اي قانون قبله.

ورد اعضاء اللجنة على الوزارة بانهم لا يملكون الرد في هذا الخصوص، الا انهم سيعرضون الامر على مجلس المفوضين لاتخاذ ما يلزم من اجراءات لمعالجة المخالفة المرصودة من قبل الوزارة، الا ان في الوقت نفسه لم يبد اعضاء اللجنة اي مقاومة في هذا الخصوص في إشارة منهم إلى اقتناعهم بوجوب التعديل والمواءمة مع القانون الجديد.

لكن المفارقة ان اصواتا من داخل «هيئة الاسواق» ترى انه لا يتعين الاستماع إلى رأي الوزارة في هذا الخصوص، باعتبار ان طلبها في غير محله، لان نص قانون الشركات عام ونص قانون «هيئة الاسواق» خاص، والقاعدة هنا ان القانون الخاص يقيد العام، مشيرة إلى ان الوزارة تتمسك بنص لائحي و «هيئة الاسواق» امام نص في القانون والقانون يسمو على الائحة.

ويكستي هذا النقاش اهمية كبيرة، فاذا قبلت «هيئة الاسواق» فرضا بطلب «التجارة» واحدثت المواءمة فانها في حاجة إلى تعديل قانونها ولائحتها التنفيذية ما يعني ان المسألة اخذت بعداً جديداً لجهة الوقت المطلوب لاجراء التعديل وتمريره في القنوات الرسمية لهذا الغرض، ما قد يفتح معركة ينتظر العديد من النواب لجهة اطلاق عملية تعديل اوسع على قانون الهيئة.

على صعيد متصل اوضحت المصادر ان اللجنة التأسيسية صححت 3 ملاحظات كانت «التجارة» ابدتها في الاجتماع الاول لمناقشة عقد تأسيس البورصة ونظامها الاساسي، والتي تتعلق بالمادة 9 من مشروع العقد حتى تتوافق مع نصوص القانون رقم 7 لسنة 2010 بشأن هيئة اسواق المال، على اساس ان الآلية التي كانت مقترحة في عقد التأسيس قد تخالف نماذج الاكتتابات العامة التي تكتتب فيها عن المواطن، بالقدر الذي يثير المخاوف من ان يحصل الذين اكتتبوا على نسبة اقل من الخمسين في المئة وفق ما تسمح به نسبة التخصيص لكل منهم.

وتم الاتفاق منذ الاجتماع الاول على إعادة صياغة المادة 9 بخصوص شركة البورصة وعلى نحو يوضح ان الهيئة باعتبارها المؤسس ستقوم بالاكتتاب في كامل رأس المال المصدر وقيمته 6 ملايين دينار نيابة عن المواطنين وتحتسب من النسبة المخصصة لهم في رأسمال الشركة وقدرها 50 في المئة على ان يسدد المواطنون قيمة هذه الاسهم للدولة عند فتح باب الاكتتاب وكذلك سداد قيمة اكتتاب المواطنين في بقية نسبتهم في رأس المال بعد زيادته إلى المصرح به.

اما الملاحظة الثانية التي تمت معالجتها فتخص المادة 11 من مشروع العقد الذي يقضي بان تسترد «الهيئة» مصاريف التأسيس التي دفعتها، وبما يشمل كافة النفقات والاجور والتكاليف بسبب تأسيس الشركة وبما يشمل اتعاب المستشارين ومكافآت اللجان وغيرها، حيث تم التوافق على ان يشمل التعديل ما يفيد ببيان المصروفات والنفقات والاجور والتكاليف التي التزمت الشركة بادائها بسبب تأسيسها وارفاق بيان بهذه المصروفات بأصل العقد على ان تخصم من حساب المصروفات العامة.

اما الملاحظة الثالثة التي فتحتها «التجارة» مع لجنة مؤسسي «البورصة تتعلق باغراض الشركة وتحديدا البند 7 من المادة 7 من عقد التأسيس، حيث طلبت «التجارة» الغاء البند «7» والذي ينص على ان من بين اغراض الشركة القيام بابرام اي عقود والقيام باي اعمال لتحقيق اغراض الشركة، وبررت الوزارة موقفها بان هذا البند لا يعد غرضا مستقلا من اغراض الشركة وانما هو عمل من اعمال إدارة الشركة.

واكدت «التجارة» في اجتماعها مع اللجنة التأسيسية على ضرورة الالتزام بنموذج عقد تأسيس الشركة كما جاءت به اللائحة التنفيذية لقانون الشركات، وبما لا يتعارض مع ما ورد بنصوص قانون هيئة اسواق المال، بحيث يتم توفيق مواد مشروع عقد التأسيس والنظام الاساسي مع المواد الواردة بنموذج عقد التأسيس، وإضافة بعض المواد التي خلا منها مشروع عقد التأسيس والنظام الاساسي، وينص النموذج على ضرورة النص عليها.

وقالت المصادر ان اللجنة التأسيسية ألمحت إلى «التجارة» إمكانية انتهائها من تعديل مسودة عقد تأسيس البورصة بما ينسجم مع ملاحظات الوزارة قبل عطلة العيد الوطني، موضحة انه في هذه الحالة ربما يكون اقرار عقد تأسيس شركة البورصة رسميا خلال مارس المقبل، على اساس ان الاجراء التالي في حال معالجة ملاحظات «التجارة» رفع عقد التأسيس إلى وزارة العدل من اجل توثيقه، تمهيدا لاصدار قرار وزاري من «التجارة» باعتماده.

يشار إلى ان العادة درجت على ان تستغرق عقود تأسيس الشركات لدى وزارة العدل بين اسبوع واسبوعين.

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.