نبض أرقام
02:26 م
توقيت مكة المكرمة

2024/10/30
2024/10/29

أبو الثورة الخضراء.. قصة الرجل الذي ساهم في إطعام الكثيرين حول العالم

2019/06/23 أرقام

أوائل القرن العشرين، كان في منطقة "وادي ياكي" شمال غرب المكسيك قرب حدود ولاية "أريزونا" الأمريكية مركز أبحاث زراعية وقنوات ري مصممة بمهارة وحظائر لتربية الماشية والأغنام وحدائق للفاكهة، وبحلول عام 1945، تضررت تلك المنطقة وسكنتها الفئران إلى أن جاءها أمريكي شاب وصفته "بي بي سي" في تقرير بالرجل الذي ساهم في إطعام العالم.
 

جاء الأمريكي الشاب ويُدعى "نورمان إي بورلاوج" إلى "وادي ياكي"، وهي منطقة خاوية على عروشها وتخلو من الطاقة الكهربائية ومياه الشرب أو حتى أنظمة تحلية، ولكن في جعبته وسائل لزراعة القمح الذي يمكنه مقاومة "الصدأ"، وهو مرض يمكنه تدمير العديد من المحاصيل الزراعية.. فما قصة الرجل الملقب أيضاً بـ"أبي الثورة الخضراء".



 

ماذا لدينا؟
 

- استقر "بورلاوج" في تلك المنطقة التي تمتاز بمناخ يمكن الزراعة به في الربيع والحصاد في الخريف، ونظر في جعبته ليرى ما لديه من إمكانات وأدوات واستغلالها حق الاستغلال والتعامل حتى مع الظروف المناخية المختلفة عن بلاده والتكيف في زراعة القمح مع تلك الظروف مع إمكانية زراعة أنواع مختلفة من الأقماح.

 

- كان "بورلاوج" وقتها يعمل لدى مؤسسة "روكفلر" التي لم يكن مصرحا لها بالعمل في "وادي ياكي"، وبالتالي، لا يمكنه العمل بشكل رسمي تحت مظلة المؤسسة، وقرر البدء بمفرده دون آلات ودون مساعدة أي باحثين، حتى إنه ترك زوجته وابنته في العاصمة المكسيكية "مكسيكو سيتي" وحدهما.

 

- قال "بورلاوج" إن الأمر بدا له في تلك الفترة كما لو أنه ارتكب خطأ فادحاً، لكنه كان عازما على التعامل مع الجوع الشديد الذي ضرب المنطقة، وهو أمر رآه منذ الوهلة الأولى التي حطت فيها قدماه، وعن هذا الوضع، صرح الأمريكي بأنه وُلد من رحم الأزمات.

 

- تعلم "بورلاوج" اللغة الإسبانية على يد سيدة أمريكية كانت تقيم في "وادي ياكي" وتُدعى "كاثي" التي أعرب عن امتنانه لمساعدتها، كما أنها نقلت إقامته إلى بلدة قريبة تُسمى "سويداد أوبريجون" – التي تمت تسمية أحد شوارعها الرئيسية باسمه بعد 23 عاماً، وأصبح "كالي دي دكتور نورمان بورلاوج".

 

 

قنبلة سكانية
 

- عام 1968، نشر الباحث البيولوجي بجامعة "ستانفورد" "بول إرليتش" كتاباً تحت عنوان "القنبلة السكانية"، وتناول فيه مدى ما تواجهه دول فقيرة كالهند من تحديات تزايد رهيب في أعداد السكان مقارنة بإمدادات الغذاء.

 

- في سبعينيات نفس القرن، توقع "إرليتش" وفاة مئات الملايين من البشر حول العالم جوعاً، وربما كان الباحث البيولوجي على خطأ، نظرا لأنه لم يكن على دراية بمجهودات "بورلاوج".

 

- عكف "بورلاوج" – الذي فاز بجائزة "نوبل" للسلام" بسبب سنوات عمله بين "مكسيكو سيتي" و"وادي ياكي" ومناهضة الجوع وأنشطته الزراعية، خاصة فيما يتعلق بإنبات آلاف الأنواع من القمح – نعم آلاف – أغلبها كان مقاوما لآفات كالصدأ مع وفرة إنتاجية عالية.

 

- لم يكن "بورلاوج" على دراية باختلافات وراثية في أنواع الأقماح وكيفية هندستها بتعديل شفرتها الوراثية "دي إن أيه" لإنبات بذور قادرة على التكيف مع المناخ ومقاومة الآفات مع إنتاج كميات كبيرة من المحصول.

 

- رغم ذلك، تمكن "بورلاوج" من إنبات أنواع جديدة من القمح ذات صفات وراثية أفضل جودة عند صناعة الخبز به مع بذل جهود مضنية آتت ثمارها في النهاية.

 

 

القمح القزم
 

- درس "بورلاوج" أنواعا جديدة من القمح، وركز على ما يُسمى بذرة "القمح القزم" المقاومة للصدأ ذات الإنتاجية العالية، ولم يكن لديه سوى عدد قليل من البذور التي يمكنه اختبارها.

 

- مع إجراء الكثير من التجارب، نجح الأمر، وكان لدى "بورلاوج" كمية وفيرة من محصول القمح بعد معرفة تقنيات بواسطتها تمت زيادة إنتاجية المحصول مع الاستعانة بأسمدة ومياه قليلة قدر الإمكان.

 

- بحلول عام 1960، وبعد نجاح "بورلاوج" منقطع النظير، جاب الرجل العالم لتعريف الشعوب والحكومات بتجربته، ولم يكن الأمر سهلا، فقد كشف معهد بحثي في باكستان في ذلك الوقت أنهم نفذوا التجربة وفشلت، وكان القمح ضعيف الجودة والإنتاجية.

 

- عرف "بورلاوج" أسباب فشل المعهد البحثي في تجربته، وأبلغهم بضرورة تنفيذ تعليماته في كيفية الزراعة بوضع البذرة بشكل أعمق في التربة وكل بذرة بعيدة عن جارتها، وبدون أسمدة كيماوية أو ظهور حشائش، وعلق قائلاً:  "هكذا يمكنكم زراعة القمح".

 

- على مدار عقود، لم تكن التجربة ناجحة بين يوم وليلة، حيث فشلت العديد من الدول في الحصول على محصول قمح وفير وذي جودة ومقاوم للصدأ، ولم يكل "بورلاوج" أو يمل من إثبات تجربته أمام الكثيرين، فها هو في الهند، يجادل رئيس الوزراء وينجح في إقناعه.

 

- بدأت دول نامية في استيراد بذور وتقاوي "بورلاوج" حتى طريقته في زراعة القمح، وفي الفترة بين عامي 1960 و2000، قفزت إنتاجية محاصيل القمح في تلك الدول إلى ثلاثة أضعاف.

 

- لم يقتصر الأمر على القمح فقط، بل أجريت تجارب شبيهة على الأرز والذرة ونجحت، لتصبح التجربة بمثابة "ثورة خضراء" ذهبت بتوقعات "إرليتش" أدراج الرياح، فلم يمُت مئات الملايين جوعاً، بل تضاعفت إنتاجيتهم من الغذاء.

 

 

 

الاقتصاد السياسي
 

- أثبتت تجربة "بورلاوج" فشل نظريات ومبادئ في "الاقتصاد السياسي"، ففي عام 1798، نُشر مقال تحدث عن نظرية بسيطة تعتمد على أن تعداد سكان العالم يتزايد بوتيرة سريعة، في الوقت الذي لا يعادله زيادة في إنتاجية الغذاء، وإن عاجلا أو آجلا، سيموت الكثيرون جوعاً.

 

- قلل الباحثون في القرن الثامن عشر من التطور في التكنولوجيا والتجارب ونجاحات شخصيات أمثال "بورلاوج"، بل إن "إرليتش" الذي أطلق توقعاته عام 1968 كشف عنها في وقت كان نمو السكان العالمي بدأ يتباطأ من 2.09% إلى 1.09% عام 2018.

 

- قلل المحتجون بمبادئ الاقتصاد السياسي أمثال "إرليتش" من براعة الإنسان المتجسدة في شخصية كـ"بورلاوج"، وحتى مع تباطؤ نمو السكان، أطلقت الأمم المتحدة توقعات متشائمة بشأن نقص الغذاء، وتسرب القلق لدى الكثيرين، فإما زيادة إنتاجية المحاصيل الزراعية، وإما عدم زيادة السكان.

 

- في ظل الحديث عن تقرير واعد يتحدث عن براعة الإنسان في التغلب على صعوبات لمواجهة الجوع وزيادة الغذاء، فإن التغيرات المناخية تلقي بظلالها السيئة على العالم، ويتزامن ذلك الآن مع نقص المياه الصالحة للشرب والزراعة وأيضاً نقص عدد السكان نتيجة تراجع معدل الخصوبة بسبب التلوث.

 

- لا يزال "إرليتش" حاضرا بيننا الآن، وقد تخطى عتبة الثمانين من عمره، وقال إن أطروحته لم تكن خاطئة بشكل كامل، بل إنها سبقت عصرها، فانظروا إلى التغيرات المناخية.

 

- والسؤال الذي يطرح نفسه حالياً: "هل يأتي عباقرة وشخصيات بارعة أخرى مثل بورلاوج وينتجون لنا غذاء يمكنه مقاومة الآفات والحشرات والأمراض الوراثية؟" الإجابة إذن تكمن مع الوقت.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.