نبض أرقام
04:24 م
توقيت مكة المكرمة

2024/10/30
2024/10/29

"رقص التريليونات".. لماذا تعاني الدول النامية لجذب الاستثمارات إليها؟

2019/04/05 أرقام - خاص

كانت العاصمة الكوبية "هافانا" إحدى أكثر المدن العالمية نماء وازدهارًا في عشرينيات القرن الماضي وبدت في كثير من الأحيان أفضل من بعض العواصم الأوروبية والمدن الأمريكية الكبيرة، وذلك بسبب الطفرة الكبيرة في أسعار السكر حيث تعد كوبا من كبار مصدريه عالميا آنذاك بما أدى لتدفق رؤوس الأموال على الجزيرة اللاتينية.

 

 

مشكلة متجددة

 

ولكن رفع الولايات المتحدة لمعدلات الفائدة ووقوع الكساد الكبير في نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات أدى إلى تراجع الاستثمارات بشدة في كوبا، حتى تشير التقديرات إلى انسحاب 85% من الاستثمارات الأجنبية خلال 3 أعوام فحسب وفي كتابه "رقص التريليونات: الدول النامية والتمويل العالمي" يقول "ديفيد لوبين" الأستاذ في المعهد الملكي للدراسات الدولية في بريطانيا أن تاريخ الدول النامية مع الاستثمارات الدولية يأتي على هيئة دورة تتجدد باستمرار، ليس أولها الأزمة الكوبية قبل قرن كامل، وليس آخرها التي تحياها الأرجنتين وتركيا حاليًا، وذلك مع تراجع قيمة عملتيهما بشكل متسارع للغاية بسبب تحركات الأموال السريعة من وإلى البلاد.

 

وفي عالم "حر اقتصاديًا" فإن النظرية الاقتصادية تبقى سهلة ومباشرة للغاية: عناصر الإنتاج تنتقل من دولة لأخرى وفقًا للعائدات عليها، فالعمالة تنتقل من الدول متدنية الأجور لتلك التي تعطي أجورًا جيدة، ورأس المال ينتقل إلى حيث معدلات الأرباح والفوائد مرتفعة، ليبدو الأمر –نظريًا- سهلًا وسلسًا.

 

فعلى سبيل المثال فإن الولايات المتحدة لديها تقريبًا 20 ضعف كثافة رأس المال في الإنتاج عما هو الحال في الصين، خاصة مع استمرار الأخيرة في الاعتماد على العمالة الكثيفة في صناعات عدة مثل الملابس والبلاستيك وغيرهما، ولكن واشنطن لا تزال قبلة المستثمرين الأولى في العالم، على الرغم من معدلات النمو المتفوقة للغاية التي تحققها بكين.

 

دورات التاريخ الاقتصادي

 

وهناك العديد من الأسباب وراء استمرار معاناة الدول النامية من صعوبة جذب الاستثمارات، لعل أولها ما يمكن وصفه بـ"الإجراءات الحمائية" التي تفرضها الدول المتقدمة في مجال الاستثمارات وتجعلها في موقف أقوى من نظيرتها النامية حتى وإن كانت العائدات على الاستثمارات في الدول المتقدمة أقل.

 

 

فعلى سبيل المثال، فإن "كاليفورنيا" تضع مجموعة من الشروط -لغير الأمريكيين- تتضمن الإقامة في الولاية الأمريكية خمس سنوات للأشخاص وتأسيس فرع لأي شركة ترغب في العمل في الولاية، بما يجعل الاستثمارات "مضطرة" لعمل استثمارات متوسطة أو طويلة المدى وليس مضاربات سريعة.

 

كما أن التاريخ الاقتصادي يسير على هيئة دورات بشكل عام، فعندما لا يوجد وسائل إنتاج آلية لإنتاج الأحذية بتكلفة منخفضة مثلا، تنقل "نايكي" مصانعها بشكل مباشر إلى الصين للاستفادة من انخفاض الأجور هناك.

 

ولكن مع بداية صناعة الأحذية باستخدام تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد، أصبح الاعتماد على الصين في هذا المجال أقل، وسيتضاءل في المستقبل مع إقرار استخدامات تجارية أوسع للطباعة ثلاثية الأبعاد، وستنسحب استثمارات في هذا المجال من الصين لتعود إلى الدول المتقدمة مجددًا.

 

نمو للديون وليس الاستثمارات

 

ولعل هذا هو ما يدفع "لوبين" للتحذير من معاناة كبيرة للغاية في الدول النامية بسبب تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والروبوت تفوق تلك التي في المتقدمة، فعلى الرغم من أن الأخيرة هي من تقدم تلك التكنولوجيا إلا أن تأثيرها الأشد سيكون على الدول النامية، حيث اعتادت الدول المتقدمة على معدلات إنتاج أكثر اعتمادًا على الآلات ورأس المال بالفعل.

 

وفي الوقت الذي تبدو فيه بعض الحكومات "خائفة" لدى انسحاب الاستثمارات من البلاد، بما يدفعها لاستخدام الأدوات المالية برفع نسب الفائدة لأرقام قياسية، إلا أن هذا يبدو بمثابة دعوة للاستثمارات السريعة (الأموال الساحنة) بالقدوم إلى البلاد ثم الانسحاب منها، بما يؤثر بطبيعة الحال على الاستثمارات القائمة والمستقرة التي كثيرًا ما تنسحب في إثر تلك السريعة في هذه الحالة.

 

 

وينوه "لوبين" إلى أنه في كثير من الدول النامية لم تنم الاستثمارات بشكل جيد منذ الأزمة المالية العالمية، بينما نمت الديون ولا سيما الفردية، حيث تقدر ديون الأفراد في الدول النامية حاليًا بحوالي 3.7 تريليون دولار، مقابل 1.5 تريليون دولار فحسب قبل عام 2008، إذ تميل الدول والمؤسسات والأفراد في الدول النامية إلى سد العجز في احتياجاتها عن طريق الاقتراض.

 

واللافت هنا أنه على الرغم من استمرار الدول المتقدمة في الاستحواذ على الاستثمارات بصورة أكبر من النامية، غير أن ذلك لم يمنع الصين في المساهمة بحوالي 34% من نمو الاقتصاد العالمي بين عامي 2012-2016، متفوقة على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان مجتمعين، بما يشير إلى أن الكثير من تلك الاستثمارات لا تحقق النمو في واقع الأمر للدول ولكن تحقق مصالح المستثمرين فحسب.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.