كيف امتلكت فنلندا منظومةً تعليميةً بين الأفضل عالمياً وتفوقت على الولايات المتحدة؟

تمتلك فنلندا واحداً من أفضل أنظمة التعليم في العالم، والذي يتفوق حتى على الولايات المتحدة في مجالات مثل القراءة والعلوم والرياضيات، وكان بين الأفضل أداءً على الإطلاق منذ بدء البرنامج الدولي لتقييم الطلاب في عام 2000، بحسب تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي.

بالنظر إلى النظام التعليمي في فنلندا، فإنه يشتهر بقصر أيام الدراسة مقارنة بأغلب بلدان العالم، ولا يتم وضع اختبارات وطنية موحدة، وبطبيعة الحال يتميز الطلاب بدرجة مرتفعة من الذكاء خاصة مع صعوبة اللغة الفنلندية.

في حين أن هذه حقائق صحيحة -باستثناء تلك الأخيرة عن الذكاء واللغة- لكنها لا تضع الأمور في سياقها الدقيق، فالنظام التعليمي في فنلندا ناجح لأن هيكله بالكامل يقوم حول عدة مبادئ أساسية.

أولاً وقبل كل شيء، يُعد الوصول العادل إلى التعليم حقاً دستورياً، وثمة مبدأ آخر مهم، وهو ضرورة السماح للمرء باختيار طريقه التعليمي، والذي لا ينبغي أن يقوده إلى نهاية مسدودة.

التعليم المبكر

- تم تصميم تعليم الطفولة المبكر في فنلندا حول مفاهيم التعلم من خلال اللعب، ويشمل ذلك منح إجازة أمومة ترعاها الدولة، ومنحة أمومة، وحتى توفير سرير للطفل، حتى تستطيع الأم الاستمتاع بأشهر الإجازة والتفكير في تعليم مولودها.

- الأطفال الفنلنديون غير مطالبين بالذهاب إلى المدرسة قبل السادسة لبدء التعليم ما قبل الابتدائي، ويحظى الآباء بحرية في قضاء هذه السنوات المبكرة في اللعب والتعليم والتواصل مع أطفالهم الصغار.

- إذا رغب الأبوان في بدء تعليم طفلهم في وقت مبكر، فإن النظام الفنلندي يوفر برنامجاً موسعاً للتعليم والرعاية في مرحلة الطفولة المبكرة، ويقوم هذا البرنامج على نموذج التعلم من خلال اللعب لتعزيز النمو المتوازن، وفقاً لموقع الوكالة الوطنية الفنلندية للتعليم.

- بالطبع هناك رسوم لذلك، لكن تقدم الحكومة دعماً كبيراً أيضاً، ويتحمل الآباء نحو 14% فقط من إجمالي تكاليف التحاق ذويهم بالبرنامج، يحظى البرنامج بشعبية كبيرة، ويبلغ معدل التحاق الأطفال من عمر 3 إلى 5 سنوات به إلى 80%.

التعليم الأساسي

- عندما يبلغ الطفل سن السابعة، يكون الوقت حان للتعليم الأساسي، وفي فنلندا لا تنقسم هذه المرحلة إلى ابتدائي وإعدادي، وإنما فترة تعليمية من 9 سنوات (السنة الدراسية: 190 يوماً).

- كما هو الحال في برنامج التعليم والرعاية في مرحلة الطفولة المبكرة، يترك صانعو السياسات المجال مفتوحاً أمام مديري المدارس والمعلمين المحليين لمراجعة وتجديد المنهج الدراسي لتلبية احتياجات الطلاب بالطريقة المُثلى.

- تقول الوكالة الوطنية للتعليم إن أيدلوجيتها هي توجيه المعلومات والدعم والتمويل، والهدف المعلن للتعليم الأساسي هو "دعم نمو التلاميذ كأفراد بالمجتمع يتميزون بالمسؤولية الإنسانية والأخلاقية، وتزويدهم بالمعرفة والمهارات المطلوبة في الحياة".

- يشمل ذلك، تحديد الاختبارات التي ينبغي وضعها، وكيفية تقييم مدى تقدم الطلاب وتحديد احتياجاتهم، والقدرة على وضع جداول زمنية يومية وأسبوعية، وبطبيعة الحال قد يبدو هذا الاستقلال الذي تحظى به المدارس والقطاعات التعليمية المحلية مخيفاً للآباء في دول أخرى.

- الآباء في فنلندا لا يساورهم مثل هذه المخاوف، حيث يتميز التدريس في بلادهم بدرجة عالية من المهنية والاحترافية، فمعظم المعلمين يحملون درجة الماجستير (حملها شرط إلزامي على معلمي المرحلة الأساسية).

- يشارك 80% من معلمي المستوى الأساسي في عملية التطوير المهني المستمرة والتي تضمن انغماس المدرسين الفنلنديين في علم التدريس، كما أن الفكر التربوي البراغماتي لـ"جون ديوي" يحظى بقبول واسع لدى المعلمين الفنلنديين.

- اعتمدت العديد من المدارس الفنلندية وجهة نظر "ديوي" في التعليم من أجل الديمقراطية عبر تعزيز قدرة الطلاب على اتخاذ القرارات فيما يتعلق بحياتهم ودراستهم.

- في التعليم الأساسي، صحيح أن فنلندا لا تستخدم الاختبارات الوطنية الموحدة، ومع ذلك فإنها تطبق نموذجاً وطنياً لنتائج التعلم، ويتم تقييم المدارس وفقاً لعينات وليس للنتائج الكلية، ولا يُلتفت لهذا التقييم لتحديد التمويل المقدم للمدارس أو في تصنيفها.

التعليم الثانوي

- بعد التعليم الأساسي، يمكن للطفل اختيار ما إذا كان يريد مواصلة المرحلة الثانوية، وفي حين أنها ليست إلزامية، فإن 90% من الطلاب ينضمون إلى التعليم الثانوي مباشرة، وبفضل التكريس لمبدأ "لا نهايات مسدودة" يمكن لباقي الطلاب العودة لاحقاً دون أي تكلفة.

- ينقسم التعليم الثانوي إلى مسارين رئيسيين؛ عام ومهني، ويستغرق كلاهما ثلاث سنوات، ويتخذ التعليم العام شكل الدورات الدراسية، ويكون للطلاب حرية كبيرة في تحديد جداول دراستهم، وفي النهاية يخوضون امتحان القبول الوطني (الاختبار الموحد الوحيد).

- التعليم المهني أكثر تركيزاً على العمل، ويشمل تدريبات فنية بالإضافة إلى تعلم مدرسي، ويميل 40% من الطلاب للالتحاق به عقب إكمال تعليمهم الأساسي، وينتهي المسار التعليمي بتخصص مهني قائم على الكفاءة بعد إنهاء الطالب خطة دراسة فردية.

- لا يتم قصر الفرص أمام الطلاب على هذين المسارين، ويشجع التعليم الفنلندي الطلاب على التوسع في مجالات واكتشاف اهتمامات جديدة أو حتى إنشاء مسار تعليمي يجمع بين المسارين المتاحين.

التعليم العالي وما بعده

- عندما يكون الطفل متفوقاً في التعليم الثانوي، فلا داعي للقلق بشأن تكاليف التعليم العالي، فهو مجاني كباقي المراحل، ويُطلب من الطلاب فقط تحمل تكلفة الكتب ووسائل النقل واللوازم الدراسية الأخرى، وتوفر الدولة مساعدات مالية للطلاب.

- ينقسم التعليم العالي في فنلندا إلى نوعين؛ جامعات عادية وأخرى للعلوم التطبيقية، وتركز الأولى على البحث العلمي فيما تهتم الثانية بالتطبيقات العملية، وعادة ما يحصل الطالب على درجة البكالوريوس في غضون 4 سنوات، وتشمل الدراسة مواد إلزامية واختيارية ومشروعاً.

- إذا كان الطالب سلك مسار التعليم الثانوي المهني، فيمكنه مواصلة تعليمه العالي عادة في جامعات تطبيقية، وبطبيعة الحال لن يكون من المفاجئ القول إن فنلندا تشجع تعليم الكبار لتعزيز المساواة الاجتماعية وتقوية سوق العمل.

- يستغرق الحصول على درجة الماجستير من خمس إلى ست سنوات، وكقاعدة عامة، يتم قبول جميع الطلاب للالتحاق ببرامج الماجستير على الفور.