نبض أرقام
04:28 م
توقيت مكة المكرمة

2024/10/30
2024/10/29

اقتصاديو القرن الحادي والعشرين..من أجل رؤية واقعية تتجاوز"نسبة النمو"

2019/01/04 أرقام - خاص

على الرغم من الجهد الذي يبذله الاقتصاديون في الكثير من البلاد من أجل رسم صورة واقعية للمشهد الاقتصادي، عالميًا ومحليًا، في مختلف دول العالم، إلا أن الانتقادات كثيرًا ما تطالهم حول الانفصال عن الواقع وتقديم صورة "نظرية" له.

 

الكاتبة الاقتصادية "كيت راورث"، والمحاضرة في جامعتي "أكسفورد" و"كامبريدج"، اهتمت بتقديم رؤية حول ما ينقص الكثير من الاقتصاديين من أجل تقديم صورة أدق، وأنفع للناس عن الواقع الاقتصادي، في كتابها "اقتصاد "الدونتس": سبع طرق لتفكر مثل اقتصاديي القرن الحادي والعشرين".

 

 

النمو وفقط؟

 

وترى "راورث" أنه على الاقتصاديين التوقف عن النظر على النمو في الناتج الإجمالي بوصفه المؤشر الوحيد على تحسن الاقتصاد من عدمه، ولا يجب إدماج مؤشرات اقتصادية أخرى مثل معدلات التضخم والنمو السكاني فحسب، بل الأهم اعتماد مؤشرات أهم مثل الفقر والبيئة.

 

فعلى سبيل المثال أدى التخلص من الأزمات الاقتصادية في الثلاثينيات في الولايات المتحدة، وفي التسعينيات في البرازيل، وفي الثمانينيات في تشيلي إلى القضاء على ما يفوق 40% من مساحة الغابات والحشائش في تلك البلاد بسبب الحاجة للنمو الاقتصادي.

 

كما أن على الاقتصاديين أيضًا أن يدركوا خطأ الفرضية الأزلية التي يبنون عليها الكثير من نظرياتهم، وهي الخاصة بـ"المستهلك الرشيد"، حيث أوضحت الدراسات أن أكثر من نصف المستهلكين لا يقومون بدراسة قراراتهم الشرائية الخاصة بالسلع المعمرة بما يكفي ولا يضعون معايير واضحة للمقارنة.

 

أما في سلع المقاربة (السلع سهلة الشراء كالبقالة) فتصل نسبة هؤلاء الذين لا يقومون بدراسة جيدة لقراراتهم الشرائية إلى الثلثين، بما ينسف تمامًا أي أفكار متعلقة بالمستهلك الرشيد الذي يبني عليه غالبية الاقتصاديين أفكارهم، وخاصة ما يتعلق بالاقتصاد السلوكي المعني بكيفية اتخاذ الأفراد لقراراتهم سواء بالشراء أو بالاستثمار.

 

لا استقراء

 

ويأتي عدم أخذ الكثير من الاقتصاديين لكل ما هو خارج علم الاقتصاد أثناء قيامهم بالتحليل الاقتصادي ليشكل مأزقًا حقيقيًا، فعلى سبيل المثال فإن الاقتصادات قد تنمو بسبب حالة من التفاؤل التي فرضها وجود قيادة جيدة للبلاد تدفع الناس لبذل الجهد.

 

 

ويمكن ضرب المثل بالرئيس الأمريكي الأسبق "بيل كلينتون"، فالأخير شكل "حالة نفسية" جيدة في الولايات المتحدة أسهمت في تحقيق عهده لإحدى أكبر الطفرات في الولايات المتحدة.

 

كما أن هناك مشكلة في عدم القدرة على حساب "التراتبية" في الاقتصاد المعاصر، بمعنى أن الولايات المتحدة قد تتأثر بشدة بسبب مشكلة حدثت في دولة ليس لها علاقات اقتصادية وثيقة، ومن ذلك تراجع النمو الأمريكي بنسبة 0.5% في عام 2004 بسبب تسونامي الذي ضرب جنوب شرق آسيا.

 

ولأن الكثير من التحليلات تفتقر إلى القدرة على الاستقراء، كثيرًا ما تصيب الأزمات المالية والاقتصادية الأسواق بانهيار يفوق كثيرًا ما كان سيحدث لو تم التنبؤ بالأزمات الاقتصادية في مراحل سابقة، وذلك بسبب عدم نظر الكثير من المحللين للصورة الكلية.

 

أكثر من تحليل اقتصادي تحدث حول الربط بين أزمة الرهن العقاري التي بدأت بوادرها تظهر قبل عامين كاملين من انفجارها عام 2008، والأهم كم شخصا رأى أنها قد تؤدي لتداعيات ضخمة تحدث هزة عنيفة في الأسواق المالية تنتهي بأزمة مالية عالمية.

 

صوت البشر

 

كما أن الكثير من الاقتصاديين يهمل "الكفاءة" التي طالما تغنى بها الاقتصاديون، ففي سبيل تحقيق معدلات نمو عالية أو أرباح مرتفعة، لا يهتم باعتبارات مكافحة الاحتباس الحراري أو تحسين حالة البيئة المحيطة على الرغم من أضرار ذلك اقتصاديًا.

 

فالتقديرات تشير إلى أن تأثيرات الاحتباس الحراري بحلول عام 2030 والأموال المنفقة لمكافحته ستفوق الأموال التي يمكن صرفها على تغيير نظم الإنتاج بحيث تصبح أكثر ملاءمة للبيئة، بما يؤكد ضرورة الاستثمار في هذا المجال اليوم قبل غد غير أن اقتصاديين قلائل يلتفتون إلى هذه الحقيقة.

 

كما يهتم الكثير من الاقتصاديين بفكرة معدلات النمو الاقتصادي على حساب توزيع ثمار النمو، فعلى سبيل المثال فإن الاقتصاد الهندي ينمو بنسب تتراوح بين 6-7% خلال الخمسة عشر عاما الأخيرة، غير أن سوء توزيع الدخل لا يسمح لغالبية الهنود بقطف ثمار النمو.

 

 

ففي الدولة الآسيوية العملاقة تشير دراسة لجامعة "نيودلهي" إلى أن  6% فحسب يحصدون قرابة 90% من ثمار النمو الاقتصادي، حتى أن بعض طبقات المجتمع تعاني تراجعًا في الدخل الحقيقي إذا ما تم الأخذ بمعدلات التضخم والنمو السكاني في الحسبان.

 

وبالنهاية تشير "راورث" إلى أن الاقتصاد قبل كل شيء "علم إنساني"، على الرغم من أهمية الأرقام والإحصاءات فيه، وأي دراسة تهمل سماع "صوت البشر" وتتناول الاستهلاك أو النمو أو الاستثمار، تبقى دراسة قاصرة وإن استخدمت المنهجية العلمية السليمة، ولذلك يجب ألا يهتم فقط بإنتاج "الدونتس" (الحلوى) بل أيضا بتأثير ذلك على المستهلك والمنتج وبقية السلع وحتى على أذواق المستهلكين.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.