نبض أرقام
04:29 م
توقيت مكة المكرمة

2024/10/30
2024/10/29

التاريخ يعيد نفسه.. هل تعطي الحرب التجارية بين أمريكا واليابان قديماً دروساً حول النزاع الحالي بين واشنطن وبكين؟

2018/12/18 أرقام

أغضبت القوة الاقتصادية الصينية الصاعدة سريعاً الولايات المتحدة وهيمنتها على الاقتصاد العالمي بسبب الفائض التجاري الذي تحققه بكين على حساب واشنطن فضلا عن اتهامات الأخيرة للشركات الصينية بقرصنة الأسرار التكنولوجيا والملكية الفكرية الأمريكية، ولكن تقريراً نشرته "وول ستريت جورنال" تحدث عن نزاع تجاري قديم بين أمريكا واليابان ربما يحكي شيئا عما يدور حالياً.

 

هدد الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" حلفاء تجاريين لـ"واشنطن" مراراً بضرورة التوصل إلى صفقة تجارية وإلا مواجهة رسوم جمركية، وهذا يمثل توصيفاً لما حدث منتصف ثمانينيات القرن الماضي عندما شكل صعود القوة الاقتصادية اليابانية تحدياً هائلاً أمام الرئيس "رونالد ريجان" في ذلك الوقت، وكانت واشنطن أيضا تضع خيارات زمنية أمام طوكيو وإلا التعرض للتعريفات الجمركية، والفارق هنا أن الصين حلت محل اليابان كثاني أكبر اقتصاد في العالم.

 

 

اتفاق "بلازا"

 

- أعلن "ترامب" في الأول من ديسمبر/كانون الأول بعد الاجتماع مع نظيره الصيني في بيونس آيرس عن هدنة مؤقتة مع الصين لمدة تسعين يوماً ليعقد خلالها مفاوضات تجارية بين البلدين تجنباً لفرض رسوم جمركية ضد بكين بنسبة 25% على منتجات بقيمة 200 مليار دولار.

 

- منذ ثلاثة عقود، وتحت ضغوط مماثلة، تقدمت اليابان بعرض مصيري يشمل العديد من الامتيازات للولايات المتحدة ضمن اتفاق "بلازا" لعام 1985 الذي يجبر اليابان على رفع قيمة عملتها أمام الدولار لعدم الإضرار بصادرات واشنطن، وكان ذلك بمثابة درس للإدارات الأمريكية المتعاقبة عن كيفية إنهاء نزاعات تجارية بطرق غير متوقعة.

 

- في وقت قياسي أسرع من المتوقع، تلاشت التهديدات الاقتصادية اليابانية للهيمنة الاقتصادية الأمريكية كما خفضت طوكيو الفائدة لدعم الطلب على الواردات – الأمر الذي أدى إلى فقاعة انفجرت لاحقا أوائل التسعينيات مما دفع الاقتصاد الياباني تحت وطأة الركود.

 

 

- بناء على هذه الأحداث، خرجت أمريكا من الحرب التجارية مع اليابان منتصرة، وربما يكون ذلك سبباً وراء الموقف الصارم الذي تتبناه إدارة "ترامب" ضد بكين.

 

- بالطبع درست الصين التجربة اليابانية بعناية شديدة، وهو ما يُحتمل أن يوفر لديها خيارات بديلة لعرض امتيازات تريدها أمريكا على غرار ما فعلت طوكيو، ولكن محللين يرون قدرة بكين على تشكيل مخاطر على الاقتصاد الأمريكي لم تكن إدارة "ترامب" مستعدة لها.

 

- بعد مرور ثلاثة عقود، ربما تلاشى من الأذهان مدى التحدي الذي شكلته اليابان للاقتصاد الأمريكي في الثمانينيات ومقارنة ذلك بالحالة الصينية الآن.

 

- عام 1984، قفز العجز التجاري الأمريكي إلى أكثر من 100 مليار دولار للمرة الأولى، وعلى أثر ذلك، سن ديمقراطيون بالكونجرس قانوناً بفرض إجراءات عقابية بالرسوم الجمركية ضد الدول التي تحقق فائضاً تجاريا كبيرا مع واشنطن على رأسها اليابان.

 

- أدركت اليابان أن عدم الانصياع يعني عدم دخولها السوق الأمريكي، وهو ما دفع وزير ماليتها عام 1985 للسفر إلى نيويورك ونزل في فندق "بلازا" مع مسؤولين من ثلاث دول أوروبية لإبرام ما عرف لاحقاً بـ"اتفاق بلازا" الذي شمل انخفاض قيمة الدولار كي تكون الصادرات الأمريكية أكثر تنافسية وخفض العجز التجاري لـ"واشنطن".

 

 

- انخفض الدولار سريعاً في أعقاب الاتفاق حيث كان يعادل 240 يناً يابانياً قبل اتفاق "بلازا" ليعادل بعده 154 يناً، ولكن ذلك، لم يكن كافياً لإدارة "ريجان" التي أرادت المزيد مثل عدم تقليد طوكيو للمنتجات الأمريكية لاسيما التكنولوجية.

 

- على أثر ذلك، أطلقت اليابان بتشجيع من مسؤولين أمريكيين برنامج تحفيز نقدي سريع لدعم الواردات وخفض البنك المركزي الفائدة إلى النصف خلال عام ونصف العام، وانتعش الاقتصاد الأمريكي وتقلص العجز التجاري مع طوكيو.

 

- وقعت اليابان في فخ كساد استمر لعقدين وأفلست بنوك تحت وطأة قروض معدومة، ولم تتمكن التكنولوجيا اليابانية من مضاهاة نظيراتها الأمريكية مثل "مايكروسوفت" و"إنتل".

 

التاريخ يعيد نفسه

 

- أكد اقتصاديون صينيون على أنهم يعيرون اهتماماً بالغاً للتجربة اليابانية وركز الكثيرون في بكين على الدرس الأبسط الذي رأوه في اتفاق "بلازا" ألا وهو: "الحاجة للسيطرة على العملة المحلية، ففي الوقت الذي تسمح فيه دول شتى بتحرير سعر صرف عملاتها أمام الدولار الأمريكي، تُبقي بكين على تداولات اليوان في نطاق ضيق".

 

- قال السفير الصيني لدى واشنطن في أغسطس/آب الماضي إن على الأسواق والمحللين صرف فكرة اتفاق "بلازا" آخر مع واشنطن من أذهانهم واصفاً إياها بالوهم.

 

- لطالما اتهم "ترامب" الصين بالتلاعب في سعر صرف عملتها، وهو ما نفته بكين مراراً، وفي ضوء النزاع التجاري مع واشنطن، تبنت إدارة الرئيس الصيني "شي جين بينج" سياسة تحت عنوان "صنع في الصين 2025" – كان قد تم الكشف عنها عام 2015 – وتقضي بضرورة تعزيز الصناعات المحلية لدعم الإنتاج خاصة من المكونات فائقة التكنولوجيا.

 

- في ذروة النزاع التجاري بين أمريكا واليابان، أثيرت مخاوف من إعادة طوكيو تعزيز ترسانتها العسكرية لمجابهة واشنطن، ولكن الصين تمارس هذا الدور بالفعل حالياً حيث تتحدى البحرية الأمريكية في بحر الصين الجنوبي فضلا عن تعداد سكانها الضخم، وهي أدوات تمنحها مكانةً أعلى من اليابان خلال الأزمة.

 

- لا يغيب عن الأسواق أن النظام المالي الصيني يمثل تهديداً كبيرا للاستقرار العالمي ما يعني أن نزاعها التجاري مع واشنطن يؤزم الموقف.

 

- رغم ذلك، هناك مشكلات هيكلية في الاقتصاد الصيني تعيد إلى الأذهان مشكلة القروض المعدومة في اليابان، وتتمثل هذه المشكلات في ارتفاع أسعار العقارات في المدن الكبرى بما يزيد على ميزانيات الأفراد بالإضافة إلى تراجع أعداد القوة العاملة في الصين.

 

- لن تريد الإدارة الصينية زيادة أزمات شركاتها الحكومية بحرب تجارية مع الاقتصاد الأكبر في العالم تؤثر على تنافسيتها مع نظيرتها الأمريكية، وربما تلجأ بكين لخطة تحفيز اقتصادي على غرار ما أقدمت إليه طوكيو عقب اتفاق "بلازا" وندمت عليه.

 

- بالتأكيد، ستتنفس الإدارة الأمريكية الصعداء لو امتثلت إدارة "شي" وقدمت امتيازات لوقف النزاع التجاري مع واشنطن، وهذا ما بدا في تصريحات "ترامب" على "تويتر" مبشراً الأسواق بصفقة تجارية جيدة مع الصين.

 

- إن مخاطر عدم الاستقرار في الاقتصاد العالمي لا تقتصر فقط على تضرر مزارعي الصويا الأمريكيين بوقف شراء الصين لمحاصيلهم، بل في إمكانية وقوع الاقتصاد الصيني – الذي يمثل سُدس الاقتصاد العالمي – تحت براثن الركود، وبالتالي، تتلقى الأسواق صدمة قاسية.

 

- يعي "ترامب" وإدارته هذه المخاطر جيداً، فقد صرح لصحفيين في أحد اللقاءات قائلا: "تواجه الصين مشكلات كبيرة تؤثر على قوتها الاقتصادية تُبعدها عن منافستنا"، ولكنه تدارك نفسه سريعاً بالقول: "بالطبع لا أريد أن أرى الاقتصاد الصيني يتباطأ أو ينهار، ولكننا سنرى ما يمكننا فعله".

 

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.