نبض أرقام
06:25 م
توقيت مكة المكرمة

2024/10/30
2024/10/29

القوة الناعمة للأمم..هل تدعم الفنون التنمية؟

2018/10/12 أرقام - خاص

تحدد مراجع الاقتصاد عوامل الإنتاج الرئيسية في ثلاثة عناصر: رأس المال، العمالة، الموارد الطبيعية، غير أن "باتريك كاباندا" في كتابه "الثروة الخلاقة للأمم: هل بوسع الفنون دعم التنمية؟" يدعو لإضافة عنصر رابع يؤثر بشدة في النشاط الاقتصادي بشكل عام وليس الإنتاج فحسب: الفنون.

 

 

تأثير اقتصادي عميق للثقافة

 

ويشدد "كاباندا"، الأوغندي الجنسية والأستاذ في جامعة "كامبريدج"، على التأثير العميق للثقافة بشكل عام على تصرفات الناس، ومن ذلك ما يشير إليه من تكبد الناس في الولايات المتحدة لخسائر أكبر –ماديًا وفي الأرواح- في الأعاصير التي يتم تسميتها بأسماء الإناث عن تلك التي يتم تسميتها بأسماء الذكور.

 

ولا يتعلق ذلك بفارق قوة الأعاصير عن بعضها، ولكن لأن الناس يميلون إلى الاستهانة بالأعاصير التي يتم تسميتها بأسماء أنثوية عن تلك التي يتم تسميتها بأسماء الذكور، بما يشير لتأثيرات عميقة للثقافة، والفنون أحد المكونات الرئيسية لها.

 

وعلى سبيل المثال، جاءت مسرحية "تاجر البندقية" الشهيرة لـ"شكسبير" (والتي تتصدى لاستغلال أحد المرابين للناس) لتغير كثيرًا في قبول الناس بالتعامل مع مكاتب المرابين، مقابل إقبالهم على التعامل مع مؤسسات الإقراض المعترف بها من الدولة والتي تحولت لاحقًا إلى البنوك، ومهدت لشكل الاقتصاد الحديث بالكامل.

 

وفي ثلاثينات القرن الماضي تسببت حفلات للأوبرا في الهند في تغيير النظرة إلى عمل المرأة –بشكل عام وليس في الغناء فحسب-، حيث انبهر الهنود بأصوات مغنيات الأوبرا بما جعلهم يغيرون من نظرتهم لإمكانية مشاركة المرأة في العمل.

 

إعلانات غير مباشرة

 

وهناك صناعات ومهن تعتمد بشكل كبير للغاية على الفنون بمختلف أنواعها، فجراحات التجميل وصناعة الموضة تعتمد على ما يحدثه مشاهير الفنون من تغييرات في مظهرهم لإطلاق موضة يتلقفها المستخدمون، بينما تستفيد صناعة التبغ بتدخين بعض الممثلين ذوي الشعبية للسجائر في الأفلام.

 

 

ولذلك أصبح شائعًا تقديم شركات لعروض رعاية بعض الأفلام، فعلى سبيل المثال يتنافس عمالقة إنتاج السيارات الألمان، ولا سيما ("مرسيدس" و"بي.إم.دبليو") على أفلام الحركة الأمريكية والظهور فيها حتى أن "بي.إم.دبليو" قدمت مليوني دولار مقابل الاعتماد على سياراتها فقط في أحد أجزاء فيلم "ترانسبورتر"، مقابل "إعلان غير مباشر" لها.

 

وكلما تقدمت الدولة زاد تأثير الفنون على اقتصادها، فعلى سبيل المثال بلغت مساهمة تعليم الفنون في الاقتصاد الأمريكي 7.6 مليار دولار عام 2011، ووظف القطاع 18 ألف موظف يحصلون على إجمالي أجور 5.9 مليار دولار.

 

وعلى الرغم من أن الإنفاق على الفنون –رسم أو غناء أو خلافه- ليس من الأساسيات المعيشية، لكن تأثيره في الاقتصاد يبقى ملموسا، حتى أن 56% من مخصصات قطاع تعليم الفنون يتم إنفاقها خارج القطاع وليست داخله ولا تتحول لادخار وهو معدل يفوق بقية أنواع التعليم.

فأي دخل ينقسم لـ3 أجزاء لدى التصرف فيه، أولها ينفق داخل القطاع الذي تم اكتسابه منه، والثاني خارجه، والثالث ادخار، وكلما زادت النسبة التي يتم إنفاقها خارج القطاع الذي أتت منه النقود كان أفضل لأنه يعكس تداولًا أوسع للأموال، وبالتالي يعني رواجا أكبر في الاقتصاد.

وعلى الرغم من أن نسبة 56% قد تبدو ضئيلة بعض الشيء، في ظل ذهاب 44% للاستهلاك داخل قطاع التعليم الفني والادخار، إلا أنها تبقى أعلى من نظيرتها في بقية أنواع التعليم، وتؤشر لمساهمة أوسع في الرواج الاقتصادي.

 

فنون الأمس ودخل اليوم

 

وبعيدًا عن صناعة السينما، تساهم الفنون بـ2.7% من الناتج المحلي الأمريكي، بما في ذلك صناعات مثل الغناء والرسم والخزف والفنون التشكيلية والمسارح وغيرها، وعلى الرغم من تدني النسبة إلا أنها قياسًا بحجم الاقتصاد تعبر عن مداخيل كبيرة.

 

وتتزايد النسبة بقليل في بعض الدول الأوروبية، مثل إيطاليا وفرنسا، بسبب السياحة الكبيرة الوافدة إلى تلك الدول وتساهم في إثراء الدخول المرتبطة بالفنون التي لا تعتمد والحال كذلك على الجمهور المحلي فحسب.

 

ولذا يمكن النظر على الكثير من دخول السياحة على أنها استغلال للفنون من العصور القديمة حيث يفد الناس لمشاهدة الآثار، وهي في المعظم من الأبنية التي تزدهر فيها الفنون، بما يجعل "فنون الأمس" "دخل اليوم".

 

ويبرز موقع مثل "يوتيوب" في استغلال الفنون بصورة اقتصادية، فالموقع أقر إنشاء "قنوات" عام 2005، وعلى الرغم من ضعف الإقبال عليها بادئ الأمر، إلا أنها وصلت إلى زيارة أكثر من مليار شخص مسجل عليها شهريًا، ولم يكن الموقع ليحقق هذا النجاح في غياب محتوى فني جاذب.

 

 

وعلى سبيل المثال فإن أغنية "جانجم ستايل" التي حققت أكثر من ملياري مشاهدة على "يوتيوب" عام 2014  جلبت لمغنيها ربحًا تجاوز المليوني دولار فقط من "يوتيوب"، وأكثر من ذلك المبلغ بكثير من حقوق استغلال الأغنية والحفلات حول العالم رغم أنها مطربها مغمور لكنها أصبحت صيحة.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.