نبض أرقام
06:25 م
توقيت مكة المكرمة

2024/10/30
2024/10/29

أسعار الأراضي والعقارات .. كيف تتأثر بمشاريع القطارات فائقة السرعة؟

2018/10/11 أرقام - خاص

يعتبر مشروع قطارات الحرمين فائقة السرعة هو الأغلى والأكبر من نوعه في العالم، حيث تم تنفيذ مساريه في مرحلة واحدة باستخدام أحدث التقنيات والمواد وأساليب التصميم، وذلك بحسب ما أشارت إليه دراسة نشرها باحثون في قسم الهندسة المدنية بجامعة أم القرى في أبريل/نيسان 2016 تحت عنوان "التحديات التي تواجه تطوير البنية التحتية لمشاريع السكك الحديدية بالمناطق النائية: دراسة حالة من السعودية".

 

وبشكل عام تعتبر السكك الحديدية فائقة السرعة هي أغلى مشاريع البنية التحتية الخاصة بالنقل البري في جميع أنحاء العالم. فعلى سبيل المثال، بلغت تكلفة بناء السكك الحديدية فائقة السرعة في تايوان 39.5 مليون يورو لكل كيلومتر، في حين بلغت 34.2 مليون يورو لدى كوريا الجنوبية و25.5 مليون يورو لدى إيطاليا و56 مليون دولار لدى كاليفورنيا و21 مليون دولار لدى الصين.

 

 

وفي مقابل هذه التكلفة المرتفعة، تتوقع هذه الدول أن ينتج عن مشاريع القطارات فائقة السرعة فوائد كثيرة من بينها تحسين إمكانية الوصول للعديد من المناطق وتوفير الوقت وتعزيز الإنتاجية، وهي العوامل التي ستؤثر بدورها على قيم الأراضي وأسعار العقارات.

 

وفي هذا التقرير سنستعرض معاً كيفية تأثر أسعار الأراضي والعقارات في 3 من الدول الثلاث والعشرين المشغلة حالياً للقطارات فائقة السرعة، حيث سنعرض دراسات تقارن بين مستويات الأسعار في المناطق التي تصل إليها الشبكة قبل وبعد وصولها لكي نرى ما إذا كانت أسعار الأراضي والعقارات تأثرت سلباً أو إيجاباً بمشاريع القطارات فائقة السرعة.

 

والثلاث والعشرون دولة المشغلة حاليًا للقطارات فائقة السرعة بجانب السعودية هي الصين وإسبانيا واليابان وفرنسا وألمانيا والسويد وبريطانيا وكوريا الجنوبية وإيطاليا وتركيا وروسيا وفنلندا وأوزبكستان والنمسا وتايوان وبلجيكا وبولندا وهولندا وسويسرا ولوكسمبورج والنرويج والولايات المتحدة، وذلك وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن الاتحاد الدولي للسكك الحديدية.

 

مقدمة لا بد منها

 

تضع نظرية "إيجار الأرض" التي طورها كل من الاقتصادي الأمريكي الأرجنتيني "ويليام ألونسو" ونظيره الأمريكي "ريتشارد موث" الإطار النظري للعلاقة بين عامل "إمكانية الوصول" وأسعار الأراضي. فببساطة، تشير هذه النظرية إلى أن إيجار الأرض (وبالتالي قيمتها الأساسية) تعكس في حقيقتها سهولة الوصول إلى تلك الأرض.

 

وفي سياق التنمية الحضرية، هذا يعني أن الأراضي الواقعة في مناطق يسهل الوصول إليها لها قيمة إيجارية أعلى من غيرها.

 

من ناحية أخرى، نجد أن الميزة الأساسية لخطوط السكك الحديدية فائقة السرعة هي قدرتها على زيادة إمكانية الوصول إلى المناطق التي تربط بينها. وهذا وفقاً للأدلة النظرية والتجريبية  وذلك من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع قيمة الإيجارات وبالتالي أسعار الأراضي والعقارات المبنية عليها.

 

بريطانيا .. سكك حديد القنال

 

في الثامن والعشرين من سبتمبر/أيلول 2003 بدأ تشغيل الطرف الأول من خط السكة الحديد فائقة السرعة المسمى "إتش إس 1" أو "سكك حديد القنال" والذي يبلغ طوله 108 كيلومترات، ويربط بين العاصمة لندن ومدينة كينت الواقعة عند نهاية الطرف البريطاني من نفق القنال الإنجليزي الذي ينتهي طرفه الآخر في فرنسا. وفي عام 2007 تم تشغيل الطرف الثاني الذي يتحرك من كينت في اتجاه لندن.

 

في دراسة نشرت في 15 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2010 تحت عنوان "تقييم آثار تشغيل خط سكك حديد القنال" قام باحثون من جامعة "نابولي فيدريكو الثاني" الإيطالية باستخدام خط "إتش إس 1" كدراسة حالة بغرض اكتشاف تأثير الخط على قيم العقارات السكنية في لندن وتحديداً في حي كامدن حيث تقع محطة سانت بانكراس للقطارات الدولية التي تم افتتاحها في عام 2007.

 

 

وجدت الدراسة أن أسعار العقارات في حي كامدن قبل بناء السكك الحديدية فائقة السرعة كانت تشبه إلى حد كبير الاتجاه السائد في جميع أنحاء لندن. ولكن بعد تشغيل المحطة ارتفعت الأسعار في الحي خلال عام 2007 بنسبة 20% مقارنة مع زيادة قدرها 15% في باقي أنحاء لندن خلال الفترة نفسها.

 

وفي عام 2008 ارتفعت أسعار العقارات في حي كامدن بنسبة 7%، في حين لم تتغير الأسعار في مدينة لندن بأكملها. واستناداً إلى هذه البيانات خلصت الدراسة إلى أن مشاريع القطارات فائقة السرعة لها تأثير إيجابي على أسعار العقارات.

 

إيطاليا .. 30% أعلى!

 

في عام 1992 أطلقت إيطاليا لأول مرة خدمة القطارات فائقة السرعة بين مدينتي فلورنسا وروما. وتربط حالياً شبكة من خطوط السكك الحديدية فائقة السرعة يبلغ طولها 999 كيلو مترا جميع المدن الإيطالية الكبرى ببعضها.

 

في الوقت نفسه، تم افتتاح الطرف الأول من خط السكك الحديدية فائقة السرعة الرابط بين مدينتي تورينو ونوفارا البالغ طوله 55 كيلومترا في عام 2006. وعلى هذا الخط تم بناء محطة جديدة تسمى "بورتا سوسا" تقع في مدينة تورينو.

 

في دراسة صادرة في عام 2010 تحت عنوان "التحول الحضري وتغير قيمة العقارات: دور القطارات فائقة السرعة" قامت كل من " كارميلا جارجيولو" أستاذة أساليب التخطيط الحضري والمهندسة الإيطالية "فيوريلا دي كيوتس" بمقارنة متوسط أسعار العقارات في حي "سيت تورين" الذي توجد فيه محطة "بورتا سوسا" مع متوسطها في باقي أنحاء مدينة تورينو.

 

 

قبل عام 2006 – وهو العام الذي بدأ فيه تشغيل المحطة – كان متوسط أسعار العقارات في حي "سيت تورين" أقل مقارنة مع متوسطها في كافة أنحاء مدينة تورينو. ولكن بعد افتتاح محطة القطارات فائقة السرعة في أبريل/نيسان 2006، تجاوزت قيمة العقارات في الحي الذي توجد به المحطة متوسطها في باقي المدينة.

 

فمقارنة مع العام 2005، ارتفعت أسعار العقارات في الحي بنسبة 30%، في حين كان متوسط ارتفاعها في المدينة بأكملها لا يتجاوز 9.5%. وهذا على عكس الاتجاه السائد قبل افتتاح هذه المحطة. فعلى سبيل المثال، بلغ متوسط نمو أسعار العقارات في الحي 9% في الفترة بين عامي 2004 و2005، في حين ارتفع متوسطها في المدينة بالكامل بنسبة 12% خلال الفترة نفسها.

 

تشير هذه الإحصاءات إلى وجود علاقة إيجابية بين وجود محطات القطارات فائقة السرعة وبين قيم أسعار العقارات والممتلكات في المناطق المحيطة بهذه المحطات.

 

اليابان .. كيف تأثرت العقارات التجارية؟

 

في العشرين من أبريل/نيسان 1959 بدأت اليابان تشييد خط السكة الحديد فائقة السرعة "توكايدو شينكانسن" الرابط بين مدينتي طوكيو وأوساكا، قبل أن يتم تشغيل الخط في عام 1964 ليصبح الأول من بين خطوط شبكة القطارات فائقة السرعة الأولى والأكثر كفاءة في العالم.

 

في دراسة نشرها في عام 1997 تحت عنوان "سوق العمل وتطوير النقل الإقليمي: حالة القطارات فائقة السرعة" أشار "كينجسلي هاينز" الأستاذ بجامعة جورج ميسن الأمريكية إلى أن خطوط القطارات فائقة السرعة اليابانية ساهمت في تعزيز نمو مستوى التوظيف وتحسين دخول الأفراد ورفع قيمة الأراضي والعقارات.

 

 

بحسب الدراسة، ارتفعت قيمة الأراضي الواقعة في المناطق التجارية القريبة من محطات القطارات بنسبة تقترب من 67% خلال السبعينيات.

 

أشار محلل العقارات الياباني "تومويوشي أومورو" إلى أن شبكة خطوط السكك الحديدية فائقة السرعة كان لها تأثير إيجابي جداً على المدن الإقليمية والاقتصادات المحلية في اليابان، كما ساهمت في ارتفاع أسعار الأراضي خلال السبعينيات والثمانينيات، وذلك وفقاً لما ذكرته دراسة أعدها محللو بنك الاستثمار الأمريكي "مورجان ستانلي" في عام 2011 تحت عنوان "السكك الحديدية الصينية فائقة السرعة: على المسار الاقتصادي السريع".

 

من ناحية أخرى، أظهر مسح أجرته وزارة الشؤون الداخلية والاتصالات في اليابان في عام 2012 تأثر أسعار العقارات الواقعة بالقرب من أحدث الخطوط فائقة السرعة التي تم تشييدها وهو خط "كيوشو شينكانسن" بشكل إيجابي من وجود الخط. ففي الوقت الذي انخفضت في أسعار العقارات في كافة أنحاء اليابان بأكثر من 3%، ارتفعت أسعار العقارات التجارية والسكنية الواقعة على طول الخط الجديد.

 

ما يجب الانتباه إليه

 

أخيراً، تشير الكثير من الدراسات إلى أن أهم العوامل التي تتحكم في كيفية تأثر أسعار الأراضي والعقارات بمشاريع القطارات فائقة السرعة هي أين وكيف يتم تشييد هذه المشاريع. ففي حال تم بناء هذه المشاريع في مناطق لديها إمكانيات نمو واعدة فمن المرجح أن يكون لها تأثير إيجابي على أسعار الأراضي والعقارات.

 

 

أيضاً من المهم جداً أن يتم دعم هذه المشاريع ببنية تحتية جيدة للنقل مثل الطرق السريعة وغيرها من وسائل النقل العام التي تمكّن الأفراد من الوصول إلى محطات القطار. فعلى سبيل المثال، بسبب صعوبة وصول الأفراد إلى محطة القطارات فائقة السرعة الفرنسية "لو كروسو" لم يكن لوجود هذه المحطة أي تأثير على قيم العقارات والأراضي الموجودة في محيطها.

 

باختصار، لكي تستفيد الدولة من كل ريال يتم صرفه على مثل هذه المشاريع، يجب أن يتم إدماجها بعناية في استراتيجية أكبر للنمو والتطوير.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.