نبض أرقام
08:25 م
توقيت مكة المكرمة

2024/10/30

وسائل التواصل الاجتماعي والاختيار المر: النفاق أو انهيار السياق؟!

2018/03/31 أرقام - خاص

يسعى كثيرون لتأمين فكرة الخصوصية على مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث لا يقرأ أو يرى ما يقومون بنشره إلا الأصدقاء، ويتصرفون بناء على ذلك بحرية فيما يكتبون على صفحاتهم الشخصية.
 

إلا أن الواقع يؤكد أن الكثير من البيانات قد تظهر على الإنترنت ضد رغبة أصحابها، وهو ما يؤدي لتفاقم ظاهرة باتت واضحة في الآونة الأخيرة وهي "انهيار السياق" (context collapse).

 

رسالة واحدة لجمهور متنوع



 

فعلى سبيل المثال قد يكتب أحدهم أمرًا على سبيل المزاح، لأنه يعلم أن أصدقاءه على "فيسبوك" يعرفون طريقة تفكيره وآراءه بشكل عام، إلا أن شخصاً قد لا يعرفه جيدًا يقوم بعمل (screenshot) لما كتب.
 

وعندما ينتشر ما تمت كتابته لغير "الجمهور المستهدف" كثيرًا ما يخرج الأمر عن سياقه، لأن من يقرأونه قد لا يعلمون ما كتب ولماذا كتب عباراته أساسا وفي أي سياق وُضعت.
 

وتشير دراسة لمنظمة "الترنتيف ديموكراسي" أن الأزمة في وسائل التواصل الاجتماعي أن الناس يتصرفون كما لو كانوا يتحدثون مع أصدقائهم ولا يكتبون للعالم كله، وبالتالي يعبرون عن أفكارهم بشكل مبتور وليس بشكل كامل وواضح للغاية.
 

وتضم وسائل التواصل الاجتماعي "مجموعات" مختلفة من الناس عند غالبية مستخدميها، فقد يضم حساب "فيسبوك" زملاء سابقين من الدراسة وحاليين من العمل وبعض الأهل وبعض الأصدقاء فضلًا عن الجيران.
 

لذا فإن كل رسالة من جانب مستخدم وسائل التواصل الاجتماعي قد يتم تلقفها من جانب كل مجموعة –أو حتى شخص- بشكل مختلف عن المجموعة الأخرى، وذلك وفقًا لدرجة معرفتها بالسياق الذي تمت كتابة هذا المنشور (التغريدة) من أجله.
 

والمشكلة هنا، كما ترى صحيفة جارديان البريطانية، أن الخيار أمام مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي هو إما أن يكتبوا بحرية وبالتالي يتعرضوا لإساءة الفهم، وإما أن يتحول كل مستخدمي تلك المواقع لسياسيين يحرضون تمامًا على ما يقولون، بما يحولهم تدريجيًا لـ"منافقين".

 

سوء الفهم أو النفاق

 

"بسبب انهيار السياق كثيرًا ما يظهر البعض بمظهر المحبين للإنسانية، ويتساءلون عن الوضع الإنساني في سوريا مثلًا، بينما يبحثون في نفس الوقت عن مواد إباحية على الإنترنت، وإذا وضع الأمر في سياقه فبالطبع ستكون الصورة مختلفة تمامًا".. تضيف جارديان.

 


 

والأزمة أن الناس أصبحوا يتعاملون مع مواقع التواصل الاجتماعي كما لو كانت جزءًا من واقعهم وليس مجرد وسيلة لقضاء الوقت أو التسلية، ولذا فإن الكثيرين يقومون بدور "القاضي" للحكم على الآخرين من خلال ما يكتبونه.
 

فالحيلة النفسية الشهيرة المعروفة بـ"التحويل" بمعنى أن الشخص يعمل على نفي ما لديه من نواقص لكي يبحث عن ما يعيب الآخرين كثيرًا ما تنطبق على طريقة متابعة البعض لوسائل التواصل الاجتماعي.
 

وهناك مثال لصحفية هولندية قررت أن تكتب موضوعًا حول ظروف عمل البولنديين في الصوبات الزراعية، وبالتالي كتبت "منشورا" على "فيسبوك" باللغة البولندية تطالب بإمدادها بمعلومات حول هذا الأمر.
 

وكانت ظاهرة "انهيار السياق" واضحة جدًا في هذه الحالة، فالمنشور تلقى مشاركات كثيرة للغاية ومتباينة جدًا، فالبعض هاجم الصحفية الهولندية لأنها تسعى لكشف مساوئ نظام العمل في بولندا، وآخرون تفهموا "السياق" الذي تكتب الصحفية الهولندية عنه وعرضوا مساعدتها.
 

واللافت هنا أن الصحفية اضطرت لتعديل المنشور على "فيسبوك" بل نشرت منشورًا توضيحيًا بعد فترة لكي تبين أن هدفها من نشر المنشور صحفي بحت وليس سياسيا، وأن هذا الأمر عادي في بلدها ولا يمس البولنديين بسوء.
 

والملاحظ أن كل مساعي الصحفية الهولندية لتبرئة سلوكها لم تستقبل بشكل جيد من غالبية من تفاعلوا من منشورها، بل ورفض البعض اعتذارها بدعوى أنها تكتب اللغة البولندية بأخطاء إملائية وكأنها تسخر منها، ليبقى السبب الرئيسي وراء كل هذا: "انهيار السياق".

 

عندما يكون التطور السريع نقمة
 

وتؤكد دراسة "الترنتيف ديموكراسي" أن الأزمة الرئيسية في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي والتي سببت أزمة "انهيار السياق" أنها لم تأخذ وقتها حتى تتطور وليتكيف الناس مع طبيعتها المختلفة عن التواصل البشري التقليدي.

 


 

فالبشر يتواصلون مع بعضهم البعض بشكل مباشر منذ بدء الخليقة، ولذلك استغرق الأمر آلاف السنين لكي تصل قدرة الناس على فهم بعضهم البعض إلى ما هو عليه حاليًا (وعلى الرغم من ذلك، ما زال سوء الفهم واردًا في التواصل الإنساني التقليدي).
 

ولذلك اعتاد الناس مع الوقت على فهم أشياء أخرى خلافًا للكلام (المباشر) الذي يقوله الشخص، من خلال قراءة لغة الجسد، أو سماع لهجة الخطاب، أو حتى معرفة مدى صدق المتحدث من كذبه.
 

أما مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وانتشارها السريع للغاية، فإن الناس –في أغلبهم- لم يصلوا لصيغة سليمة تتيح التعامل معها بالصورة الملائمة وما زالوا لا يضعون لها "نظامًا منفصلًا" عن تفسيرهم للتواصل الإنساني التقليدي.

 

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.