نبض أرقام
08:25 م
توقيت مكة المكرمة

2024/10/30

"الطبقة المتوسطة" .. الرقم الصعب في معادلة التنمية الاقتصادية

2018/02/02 أرقام - خاص

تخيل أنك ترغب في أن تشرح العالم لطفلك ذي الست سنوات في عبارات بسيطة جدًا. إحدى الطرق لمساعدته على الفهم، هي تقسيم العالم إلى 4 فئات رئيسية: الفقراء المدقعون وأصحاب الدخل المنخفض والطبقة المتوسطة وأخيرًا الأغنياء.
 

الفقراء المدقعون (الذين يعيشون على أقل من 1.9 دولار في اليوم) يعانون من الحرمان الشديد، بما في ذلك الجوع والأمية والوفاة المبكرة للأمهات والأطفال. أما أصحاب الدخل المنخفض (الذين يعيشون على ما يتراوح بين 1.9 و11 دولارًا في اليوم) فقد نجوا من الفقر المدقع، ولكنهم لا يملكون أي موارد إضافية لتعزيز إنفاقهم، وهم معرضون دائمًا للوقوع مرة أخرى في براثن الفقر في حال تعرضوا لصدمات مثل البطالة أو المرض أو الجفاف.



 

أما الطبقة الوسطى (11 : 110 دولارات في اليوم) يمكنها عيش حياة كريمة، وتتمتع بأمان نسبي من الفقر المدقع، وتمثل الجزء الأكبر من فئة المستهلكين، كما يعتبر حجم الطلب لدى هذه الطبقة هو المحرك الرئيسي للنمو في معظم الاقتصادات. وأخيرًا، يوجد الأغنياء (110 دولارات فما فوق يوميًا) ويعيشون في سعة، ويمكنهم عادة تحمل تكلفة أي سلع استهلاكية عادية.
 

المثير للاهتمام، هو أن واضعي السياسات وأصحاب القرار وكذلك وسائل الإعلام، كثيرًا ما يولون الاهتمام فقط بالنقيضين أو الجانبين المتطرفين: مكافحة الفقر المدقع، والحفاظ على رفاهية الأغنياء، ولكن ما يتغافل عنه هؤلاء هو أن أكثر من 90% من سكان العالم هم جزء من المجموعتين القابعتين في الوسط، حيث تحدث معظم الحركة بين المجموعات.
 

من هم أصحاب الطبقة الوسطى؟
 

"الطبقة الوسطى" هي مقياس نسبي ومفهوم مطلق إلى حد كبير: ففي الدول مرتفعة الدخل، أن تكون من الطبقة الوسطى يعني أنك تتمتع بما يكفي من الأمان المالي لتكون قادرًا على التخطيط بأريحية للمستقبل.

 

أما في العالم النامي، يرى الاقتصاديون أن الأسر التي تنتمي للطبقة المتوسطة، هي تلك التي تتمتع بدخل يكفيها من أجل النجاة من آثار صدمات مثل البطالة والمرض أو حتى إفلاس مؤسسة تجارية صغيرة، دون أن يتأثر مستوى معيشتهم، أو في أسوأ الظروف ينخفض مستوى معيشتهم ولكن بشكل مؤقت.

 

يواجه المواطنون المنتمون للطبقة الوسطى الكثير من القلق الاقتصادي، ولكنهم في نفس الوقت لا يشعرون بالقلق بشأن قدرتهم على دفع إيجار الشهر المقبل أو قسط السيارة أو فاتورة بطاقة الائتمان.



 

في أمريكا اللاتينية مثلًا، تشير الإحصاءات إلى أن الانتماء للطبقة الوسطى يتطلب دخلًا يوميًا يبلغ حوالي 10 دولارات للشخص الواحد، أو ما يعادل حوالي 10 آلاف دولار في السنة لأسرة مكونة من ثلاثة أفراد، ومن المرجح أن تشمل هذه الأسرة شخصًا واحدًا على الأقل، أكمل تعليمه الثانوي، ويعمل في مكتب أو مصنع أو في متجر براتب ثابت، بدلًا من العمل في الزراعة أو الاقتصاد غير الرسمي.

 

اعتبارًا من منتصف عام 2017، ينتمي نحو 3.5 مليار شخص إلى الطبقة المتوسطة العالمية، ويسير مجموع هذه الطبقة على الطريق الصحيح لتخطي حاجز الأربعة مليارات نسمة بحلول عام 2021، و5 مليارات نسمة بحلول عام 2027، قبل أن يرتفع إلى 5.6 مليار شخص بحلول عام 2030.

 

حجم الطبقة الوسطى العالمية ينمو بسرعة لم يسبق لها مثيل، ففي كل ثانية يدخل حوالي 5 أشخاص إلى الطبقة الوسطى. وبينما يصعد الناس على سلم الدخل، تتراجع أعداد أصحاب الدخل المنخفض بوتيرة متساوية تقريبًا.
 

ديموغرافيا الطبقة الوسطى
 

قبل 25 عامًا، لم يكن لدى أي بلد نام طبقات وسطى كبيرة أو متنامية، حيث كان معظم الناس في العالم لا يزالون يعيشون في أماكن يمكن وصف توزيع الثروة والدخل فيها بأنها ثنائي: تعيش نخبة صغيرة في راحة، في حين كانت الغالبية العظمى من الناس فقراء.

 

بالطبع، كانت هناك استثناءات، من بينها سنغافورة وكوريا الجنوبية وعدد من بلدان أمريكا اللاتينية التي بدأ التصنيع فيها قبل الحرب العالمية الثانية. فبحلول عام 1990، شهدت كوريا الجنوبية 30 عامًا من النمو الاستثنائي، ونتيجة لذلك، تمتع حوالي 60% من سكانها بدخل سنوي قدره 10 آلاف دولار للأسرة الواحدة، وأصبحت كوريا الجوبية بالفعل مجتمعًا من الطبقة الوسطى.

 

في أوائل التسعينيات، انطلق النمو الاقتصادي في العديد من الدول النامية، وسرعان ما تسارع خلال العقد الأول من القرن الحالي، حيث إن انخفاض معدلات الفائدة وازدهار السلع الأساسية أفاد العديد من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.



في الفترة ما بين عامي 1990 و2015، نجح نحو مليار شخص في الهروب من الفقر، من بينهم 650 مليونًا من الصين والهند وحدهما. وخلال نفس الفترة، دخل حوالي 900 مليون شخص إلى الطبقة المتوسطة التي لا يقل دخلها اليومي عن 10 دولارات في اليوم.

 

خلال العقدين الماضيين، شهدت الطبقات الوسطى في كل من تشيلي وإيران وماليزيا نموًا استثنائيًا لتصل نسبتها إلى حوالي 60% من السكان. كما نمت هذه الطبقة في المكسيك لتصل إلى 40%، وفي بيرو لترتفع إلى 50%. ومن المرجح أن يكون لهذا التغيير انعكاسات إيجابية على الاستقرار الاقتصادي والسياسي في البلدان الخمسة.

 

بالنسبة للبلدان العربية غير النفطية، يوجد في المغرب وتونس طبقة وسطى كبيرة، أما في مصر، فإن 6% فقط من السكان يعيشون فوق عتبة الـ10 دولارات في اليوم.
 

ما أهمية الطبقة الوسطى؟
 

إن حجم الطبقة الوسطى في البلد له آثار اقتصادية وسياسية واجتماعية كبيرة. فالطبقة الوسطى الكبيرة تزيد من الطلب على السلع والخدمات المحلية، وتساعد على دفع النمو الاقتصادي الذي يقوده الاستهلاك.

 

لدى أولياء الأمور من الطبقة المتوسطة الموارد اللازمة للادخار والاستثمار في تعليم أبنائهم، وهو ما يصب في مصلحة رأس المال البشري للبلد ككل. وفي الدول النامية، يمكن للمنتمين لهذه الطبقة أن يأخذوا مخاطر تجارية معقولة، ليصبحوا مستثمرين أيضًا، إلى جانب كونهم مستهلكين وعمالا في الأساس.



كما أن وجود طبقة متوسطة كبيرة يعتبر أمرًا حاسمًا لتعزيز الحكم الرشيد. فالمواطنون المنتمون لهذه الطبقة يرغبون في الاستقرار والقدرة على التنبؤ، وهي الأشياء التي لا يستطيع توفيرها سوى نظام سياسي يعزز المنافسة العادلة، بحيث لا يستطيع الأغنياء الاعتماد على امتيازات معينة لجمع الثروة غير المكتسبة.

 

لكن بطبيعة الحال، وجود طبقة وسطى كبيرة لا يضمن أن يتمتع البلد بالاستقرار السياسي والاقتصادي. فبحلول أوائل الثمانينيات، كانت الطبقة الوسطى في فنزويلا قد نمت لتشكل حوالي نصف سكان البلاد، وذلك بفضل قوة القطاع النفطي الذي تسيطر عليه الدولة.

 

لكن المشكلة هي أن أموال النفط السهلة تساهم في إثراء الحكومات دون إرغامها على الخضوع لقدر معقول من المساءلة. وهذا بالضبط ما حدث في فنزويلا. ففي العقود الأخيرة ساهمت الإدارة السيئة في تراجع اقتصاد البلاد بشكل حاد، وبحلول عام 2006 (آخر عام تتوفر فيه بيانات خاصة بهذه النقطة) تقلص حجم الطبقة الوسطى إلى 40% من السكان.



أخيرًا، أظهرت دراسة أعدتها مؤسسة "كوفمان" الأمريكية حول التركيبة الديمغرافية لرجال الأعمال، أن 1% فقط منهم، هم من ينحدرون إلى أسر فقيرة جدًا أو غنية جدًا، بينما وجدت أن 99% منهم قادمون من الطبقة الوسطى.

 

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.