كيف شكلت الأموال تاريخ البشرية منذ بداية الحضارة؟

يقول "ويليام جويتزمان" مؤلف كتاب "الأموال غيرت كل شيء" إن القرض هو أبسط أنواع التكنولوجيا المالية.
 

ويشترط ذلك وجود عامل الزمن، وعقد أو اتفاق بين الأطراف لرد الأموال في وقت محدد، وإلا لن يصبح تمويلاً.
 

ويرجع تاريخ تسجيل المعاملات المالية إلى 5 آلاف عام، وأحد أول العقود المالية التي تم تسجيلها كانت في بلاد ما بين النهرين القديمة، ووفقًا لـ"جويتزمان" اتخذت العقود أشكالا ومنحوتات طينية تحدد شروط العقد.
 

ولم تكن الكتابة قد اختُرعت بعد، فكانت الرموز تُستخدم في هذه العقود لمنع التزوير مثلما تعمل تقنية "بلوك تشين" الآن، وقد ساعدت هذه الأشكال التمويلية على بناء مجتمعات حضرية معقدة.
 

ومع نمو المدن زادت الحاجة لتطوير مزيد من الأدوات المالية، واخترعت الحضارة السومرية الكتابة، واستخدمتها على نحو واسع في تدوين العقود التجارية.
 

وقد وُجد لوح طيني في "سومر" (جنوب بلاد الرافدين) بحجم الأناناس يرجع إلى 2500 قبل الميلاد، كان بمثابة وثيقة تعويض، وهي أول وثيقة للتعويض معروفة حتى الآن، ووفقًا لـ "جويتزمان" يعد هذا اللوح أول وثيقة بها فائدة مركبة.
 

اليونان (السياسة والنقود)
 

- تطورت النقود في اليونان كجزء من تأسيس الديمقراطية الأثينية، فكانت هناك رغبة لجعل الشعب اليوناني يشعر بالانتماء والانخراط في المجتمع.

- ويعد منحهم راتبا منتظما أفضل طريقة لذلك، كانت الحكومة الأثينية تدفع للأشخاص نقودًا معدنية في مقابل خدمتهم لهيئة قضاة مكونة من 500 قاض.

- الهدف من ذلك خلق التزام لدى الناس تجاه الدولة، فالأموال كانت جزءًا من تشكيل نوع جديد من الكيان السياسي.

- كان بناء هذه الهوية الجماعية ضروريًا لبقاء أثينا، لكنه لم يكن كافيًا، كان لا بد من إنشاء أدوات مالية أخرى لضمان مستقبل المدينة.

- تم حل هذه المشكلة بأن أصبحت مركزًا للتعاقد في منطقة شرق البحر المتوسط.

- كانت سفن الحبوب تسافر في البحر الأبيض المتوسط من مصر إلى البحر الأسود، وتجلب بضائعها إلى أثينا.

- ولتسهيل هذه التجارة، أنشأت أثينا نظامًا للمحاكم التجارية لتدوين الاتفاقات، والفصل في العقود المالية.

- تعد أثينا أول مكان تم الاحتفاظ فيه بسجلات عقود لهذه الرحلات البحرية، والتي كانت تتضمن شروطًا محددة.

- على سبيل المثال كان السفر عبر البحر الأسود أكثر خطورة في أوقات معينة من السنة، لذلك طُورت العقود لدفع أموال للمستثمرين مقابل هذه المخاطر.

الصين (العملة والنقود)
 

- في نفس الوقت الذي بدأ فيه اليونانيون سك العملة، فعل الصينيون الأمر ذاته، وقد وُجدت قطعة نقدية نحاسية على شكل سكين في مدينة تشي.

- عاش في هذه المدينة آنذاك فيلسوف اسمه "قوان تشونج"، وهو أول خبير اقتصادي وضع نظرية متطورة عن الأموال، وكيفية خدمتها للاقتصاد.

- كان لنظريته تطبيقات عملية ساعدت في تحديد متى تحتاج الدولة لسك عملات أكثر أو أقل، وكيف يمكن استخدام العملة كسلاح في الصراعات مع المنافسين.

 - أصبحت الأموال وسيلة للسيطرة على الاقتصاد، وشن الحروب النقدية، وكان ذلك فكرًا متطورًا للغاية بالنسبة لسنة 400 قبل الميلاد.

- بدأت الصين بطباعة الأموال باستخدام قطع خشبية، لكنها كانت تتلف، فاستبدلوها بأطباق نحاسية.

- لم يستطع الجميع قراءة الأموال الخشبية، لذلك أصبحوا يستخدمون الرسومات والصور للتعبير عن قيمة العملة.

- طبعت الصين الأوراق المالية لأكثر من 300 عام، بداية من 1100 ميلاديًا وحتى 1425، إلا أن هذه التجربة فشلت، بسبب طباعة الحكومة للكثير من الأموال.

- أدى ذلك إلى حدوث تضخم، وتوقفت الحكومة حينها عن طباعة الأموال لمدة 400 سنة تقريبًا.

البندقية (السندات)
 

- ظهرت السندات في البندقية (مدينة فينيسيا الإيطالية) في أعقاب نزاع مع الإمبراطورية البيزنطية.

- صادر الإمبراطور البيزنطي بضائع من البندقية، وألقى القبض على تجار من المدينة في القسطنطينية عام 1171.

-عقب هذه الواقعة، شيدت البندقية أسطولاً لاسترداد ممتلكاتها وتجارها، ودفعت ثمن السفن بأموال ضريبية وعدت بسدادها بعد انتهاء الحرب بنجاح.

- لكن لسوء الحظ دمر الطاعون الأسطول، ولم يتم استرداد البضائع المصادرة.

- ولأن المدينة أصبحت غير قادرة على تسديد ما حصلت عليه من أموال، تعهدت بدفع فائدة سنوية تبلغ 6% على القروض، حتى تتمكن من دفع أصل الدين.

- من هنا ظهرت السندات وتطورت، وبدأت دول أوروبية أخرى تحاكي نموذج البندقية.

الأسهم - ثورة مالية
 

- يميل كثيرون لاعتبار شركة الهند الشرقية الهولندية أول شركة كانت لديها حصص في رأس المال.

- بينما ركز "جويتزمان" على شركتي مطاحن تأسستا في تولوز وفرنسا خلال 1372 و1373.

- كان لدى الشركتين سجلات للفترة من 1372 إلى 1946، حيث تم تأميم إحدى الشركتين في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

- سُجلت تقارير الاجتماعات السنوية، وأسعار الأسهم ومعلومات عن أرباح الأسهم، وأسعار الحبوب، وغيرها من المعلومات.

- أرست وثائق الاندماج قواعد كان على الشركة اتباعها، للحفاظ على ثقة المساهمين.

- تم تعيين مدققين للحسابات مستقلين لفحص دفاتر الحسابات.

- وتم فصل مهام المدير التنفيذي عن مجلس الإدارة، واتخذت هذه الإجراءات لحل مشكلات تتعلق بالثقة، بالتوازي زمانيًا مع نمو الشركة.
 

 فقاعات الأسهم
 

- مع ظهور الأسهم ظهرت الفقاعات المالية، إذ تهافت المستثمرون للحصول على أوراق من أجل المضاربة عليها.

- استغلت شركة بحر الجنوب التي تأسست عام 1711 هذه الظروف، وتسببت في إحدى أهم الفقاعات المالية في التاريخ.

- حصلت الشركة التي تأسست لتحسين التجارة البريطانية مع دول أمريكا الإسبانية على احتكار تجاري عام 1718 برشوة أعضاء من البرلمان، وبالمقابل تحملت الشركة الديون القومية.

- أدت التوقعات إلى ارتفاع سعر السهم من 100 إلى 1000 جنيه إسترليني، وفي عام 1720 اتضح أن أرباح الشركة لا تبرر مثل هذا الارتفاع.

- أدى ذلك إلى هلع في السوق، وتراجعت قيمة الأسهم كثيرًا بسبب هياج مأساوي في البيع أسفر عن إفلاس كثير من المستثمرين.

- رغم أزمة فقاعة بحر الجنوب والكساد الكبير، وغيرها من المشكلات الاقتصادية، إلا أن "جويتزمان" يتفق مع وجهة نظر الخبير الاقتصادي ماركيز كوندورسيه.

- يرى هذا الأخير أن التمويل وسيلة للتقدم البشري، وأداة لحل المشكلات الأساسية للبشر.