نبض أرقام
12:26 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/10/31
2024/10/30

ما هو الاقتصاد ما بعد الكلاسيكي الجديد؟

2017/07/23 أرقام

لأكثر من قرن من الزمان هيمنت النظرية الكلاسيكية الجديدة على التفكير الاقتصادي، وتعتمد على ثلاثة افتراضات رئيسية وهي أن الأفراد لديهم تفضيلات عقلانية حيث يسعون لزيادة منفعتهم الخاصة وأن الشركات تسعى إلى تعظيم الأرباح وأن المستهلكين يقومون بالاختيار بشكل مستقل استنادا على المعلومات المتاحة، ومثله مثل أي نظرية يقدم الاقتصاد الكلاسيكي الجديد مزايا ضخمة لكنه يعاني أيضا من أوجه قصور مهمة.

ويناقش تقرير "سيتي جورنال" أفول هيمنة الاقتصاد الكلاسيكي الجديد على الفكر الاقتصادي العالمي وأثر ذلك على فهم الاقتصاديين للسلوك الاستهلاكي والنمو الاقتصادي.

السلوك العقلاني والاستهلاك



- من العيوب المعترف بها للنظرية الكلاسيكية الجديدة هو نموذجها المبسط عن الطبيعة البشرية، والمعروف من قبل الاقتصاديين باسم "هومو إيكونوميكس" حيث تصور النظرية المستهلك العادي كشخص يعرف دائما ما يريد وكيفية الحصول عليه .

- لكن الناس لا يعرفون دائما ما يريدون وإذا فعلوا فإنهم لا يعرفون لماذا يريدون ذلك أو كيفية الحصول عليه لأن البشر ليسوا عقلانيين بقدر ما هم عاطفيون مما يسهل عملية خداعهم .

 - على مدى عقود حاول العلماء من مجموعة متنوعة من التخصصات استكشاف عواقب "انخفاض العقلانية" على جوانب السلوك البشري ومع دخول هذه الاستكشافات إلى المجتمع الاقتصادي برزت نظرية  "ما بعد الاقتصاد الكلاسيكي الجديد".

- نجح الاقتصاد الكلاسيكي الجديد في ترجمة العالم إلى نموذج اقتصادي مقبول يعتمد على بعض الافتراضات الأساسية، وعلى النقيض من ذلك فإن الاقتصاد ما بعد الكلاسيكي الجديد هو نهج أكثر شمولية من الناحية المنهجية حيث يعتبر العقلانية مجرد واحدة من العديد من النماذج التي تصف السلوك البشري.

ما بعد الاقتصاد الكلاسيكي الجديد



- في الواقع ما يميز النهج ما بعد الكلاسيكي الجديد هو الرغبة في فهم السلوك الاقتصادي باستخدام أي أساليب صالحة تجريبيا بغض النظر عن أي مجال نشأت فيه.  

- على سبيل المثال تستخدم أساليب من علوم الشبكات والتي يستخدمها الجغرافيون لبحث التنوع الاقتصادي الإقليمي ولا يتردد الاقتصاديون السلوكيون في الاعتماد على علم النفس مما يعزز معرفة كيفية عمل الاقتصادات.

- في العقود الأخيرة، برزت بعض الكتابات الاقتصادية ما بعد الكلاسيكية الجديدة باعتبارها التيار الاقتصادي الجديد وقد تم تكريم عالم النفس "دانيال كاهنمان" وخبير السياسية "إلينور أوستروم" بجائزة نوبل في الاقتصاد.

- علماء النفس رائدون في دراسة العواطف وتأثيرها على صنع القرار وواجهت نظرياتهم في البداية مقاومة من الاقتصاديين على الرغم من كونها صالحة تجريبيا، ويوضح جزء من هذه المقاومة مقال نشره "ميلتون فريدمان" يقول فيه إن افتراضات النظرية الاقتصادية لا يجب أن تكون صالحة تجريبيا ما دام أنها قادرة على التنبؤ بالسلوكيات.

معارضة الاقتصاديين الكلاسيكيين الجدد



- يستخدم "فريدمان" تشبيه لاعب البلياردو الذي يلعب كما لو كان ماهرا في حساب مسارات الكرات باستخدام قوانين الفيزياء برغم أنه لا يعرف شيئا عن الفيزياء، ويقول إن النماذج الاقتصادية يمكن أن تكون خاطئة تجريبيا بشأن الدوافع الفعلية للمستهلكين ولكن يمكن تبريرها إذا كانت تتنبأ بسلوكهم بشكل صحيح.

- يستخدم بعض المنظرين الكلاسيكيين الجدد حجة "فريدمان" للدفاع عن استخدام النماذج غير الصالحة تجريبيا لوصف للسلوك البشري ولكن حتى تكون هذه الحجة صحيحة يجب التعامل مع الاقتصاد كعلم طبيعي.

- يتفق معظم العلماء على أنه لا يمكن إعفاء أي نظرية بما في ذلك النظرية الاقتصادية من الاختبار التجريبي للافتراضات الكامنة وراءها، ومن ضمن أساسيات الاقتصاد ما بعد الكلاسيكي الجديد هو إعطاء الأولوية للنتائج التجريبية، حيث إذا لم تتطابق النظرية مع النتيجة التجريبية يتم التخلي عنها.

الخيارات الأخلاقية



- يتطلب من البشر لاتخاذ خيارات أخلاقية القيام بأعمال عقلية تختلف تماما عن الخيارات الأخرى، ويحاول العلماء شرح الكيفية التي تُتخذ بها الخيارات الأخلاقية من خلال فرضيتين.

- الأولى فرضية "العقلانية أولا" وتشير إلى أن البشر يقيمون عواقب اختياراتهم الأخلاقية من خلال توقع من الذي سيقع عليه ضرر بسبب هذا الاختيار وما مدى سوء هذا الضرر، وهي تشبه إلى حد كبير  افتراضات الاقتصادي الكلاسيكي الجديد.

- الفرضية الثانية "العواطف أولا" وهي توضح أن البشر لا يعطون الأولوية للعقلانية ولكنهم يتخذون قرارات عاطفية سريعة معتمدين على أن عقولهم ستحللها في وقت لاحق، في هذه الفرضية تكون مهمة العقلانية تبرير القرارات التي اتخذتها المشاعر.

نظرية الاحتمالات



- تفسر "نظرية الاحتمالات" لـ"دانيال كانيمان" و"أموس تفيرسكي" بعض الحالات الشائعة والمتطرفة التي تفشل النظرية الاقتصادية الكلاسيكية الجديدة في تفسيرها حيث تفترض النظرية أنه مع حالة عدم اليقين يجب دفع ما يتناسب مع المنفعة المتوقعة من السلعة.

- على سبيل المثال إذا كان هناك سحب على جائزة قدرها مليون دولار وتم إصدار مليون تذكرة، تتوقع النظرية الكلاسيكية الجديدة أنه يجب شراء التذكرة فقط عندما تكلف أقل من دولار واحد، ولكن الحقيقة هي أن الناس يشترون هذه التذاكر بأسعار أعلى من قيمتها المتوقعة.

 

- تشير "نظرية الاحتمالات" إلى أن العلاقة بين القرار والقيمة المتوقعة ليست خطية ولكنها على شكل (S) وهذا يعني أن الناس ينحرفون عن العقلانية عندما تكون تكلفة القرار صغيرة وتكون الفائدة المحتملة كبيرة أو عندما تكون الخسارة كبيرة ولكن غير محتملة.

- ينتج علم النفس حاليا العديد من النظريات المماثلة والتي توفر أرضا تجريبية خصبة للاقتصاد ما بعد الكلاسيكي الجديد الذي يبحث عن نموذج دقيق يصف السلوك البشري.

آفاق جديدة



- إن نجاح الإنسان ليس نتيجة للذكاء الفردي حتى ولو كان ذكاء متفوقا لكنه نتيجة لقدرته على التعلم من الآخرين وعلى إمكانية تراكم هذه المعرفة خلال الأجيال.

- إن مقارنة البشر الذين يعيشون حاليا مع هؤلاء الذين عاشوا في الماضي البعيد يمكن أن يساعد على فهم الأهمية الاقتصادية للخيال، حيث إن معظم الموارد المتاحة في الماضي هي نفسها المتاحة اليوم ولكن العالم يبدو مختلفا للغاية مقارنة بالماضي.

- يبرز الفرق في الطريقة التي يتم بها استخدام تلك الموارد وأيضا القدرة على استخدامها، حيث إن بناء المنازل  وإنتاج السيارات وغيرها يعتمد أولا على خيال الإنسان، ومن خلال تجسيد الخيال يمكننا التواصل لاستخدامات عملية لمعرفتنا.

- تمثل المنتجات شكلا مختلفا من أشكال التواصل البشري حيث إن صنعها يتطلب معرفة أكثر مما قد يملكه أي فرد لوحده، ولذلك يتمثل النمو الاقتصادي في قدرتنا على تحويل الخيال المفيد إلى واقع ملموس.

 

- من خلال تجسيد الخيال لإنشاء مؤسسات تساعد على تشكيل شبكات تعاونية أكبر، وتجسيد الخيال في إنتاج المنتجات التي تزيد من قدرة البشر على التفاعل سوف يرتفع النمو الاقتصادي.

التنمية الاقتصادية في المستقبل



- يحدث تحول قوي في الأجيال داخل المنظمات العالمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي فمنذ عقود مضت كانت هذه المنظمات تقتصر على استخدام نظريات الاقتصاد الكلاسيكي الجديد في توجيهاتها، ولكن الآن يعمل بها مفكرون اقتصاديون غير تقليديين.

- لا يكتفي الاقتصاد السلوكي باستكشاف سمات السلوك البشري فقط  لكنه يقدم أيضا توصيات واضحة حول كيفية "تطوير" هذا السلوك.

- ساعد النهج ما بعد الكلاسيكي الجديد الذي ينظر إلى التنمية الاقتصادية باعتبارها شكلا من أشكال التعلم الجماعي بدلا من كونها نتيجة لتراكم العوامل على إحياء الاهتمام ببعض أشكال السياسة الصناعية وشجع على استحداث أدوات لتقييم الإمكانات الاقتصادية للبلدان والمناطق.

 

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.