أضحت التداعيات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن شيخوخة السكان واقعًا ملموسًا في العديد من الدول الصناعية الكبرى.
فمع تسارع وتيرة تقدم العمر في أمريكا الشمالية، وأوروبا الغربية، واليابان، يواجه صنّاع القرار جملة من القضايا المعقدة والمتداخلة، تتصدرها تقلص القوى العاملة، وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، والتزامات التقاعد غير المستدامة، فضلاً عن تغير أنماط الطلب داخل المنظومة الاقتصادية.
غني عن القول إن هذه التحديات تنذر بتقويض مستويات المعيشة المرتفعة التي طالما تمتعت بها العديد من الاقتصادات المتقدمة، بشكل ملحوظ.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
قضايا اقتصادية تتعلق بشيخوخة التركيبة السكانية |
||
1- انكماش حجم القوى العاملة: شبح يهدد الإنتاجية |
|
- تشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن عدد الأشخاص الذين تجاوزت أعمارهم 65 عامًا بلغ 771 مليون نسمة في عام 2022.
- ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 994 مليونًا بحلول عام 2030، و1.6 مليار بحلول عام 2050.
- يعني هذا التسارع في شيخوخة السكان بالضرورة تراجع أعداد القوى العاملة، مما يؤدي إلى نقص حاد في الأيدي العاملة المؤهلة، ويعيق قدرة الشركات على شغل الوظائف الشاغرة.
- ولا يخفى على أحد أن الاقتصاد الذي يعجز عن توفير العمالة اللازمة يواجه عواقب وخيمة، تتجلى في انخفاض الإنتاجية، وارتفاع تكاليف العمالة، وتأخير التوسع في الأعمال، وتراجع القدرة التنافسية الدولية.
- وفي بعض الحالات، قد يؤدي نقص العرض إلى ارتفاع الأجور، مما يتسبب في تضخم متسارع للأجور والأسعار.
- تسعى بعض الدول إلى تعويض هذا النقص عبر استقطاب المهاجرين ذوي الكفاءات العالية، ولكن قد يواجه دمجهم في سوق العمل عقبات، فقد لا تعترف الشركات المحلية بمؤهلاتهم وخبراتهم المكتسبة في بلدان أخرى.
- وتجدر الإشارة إلى أن منظمة الصحة العالمية تتوقع أن 80% من كبار السن سيعيشون في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط بحلول عام 2050.
|
2- ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية: عبء متزايد على الميزانيات
|
|
- مع التقدم في العمر، يزداد الطلب على الرعاية الصحية، مما يستدعي تخصيص المزيد من الموارد المالية لأنظمة الرعاية الصحية.
- ومع أن الإنفاق على الرعاية الصحية يمثل بالفعل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي في معظم الاقتصادات المتقدمة، فإن التحدي الأكبر يكمن في تحسين جودة الرعاية الصحية بالتزامن مع زيادة الإنفاق.
- يواجه قطاع الرعاية الصحية في الدول المتقدمة تحديات مشتركة، مثل نقص العمالة والمهارات، وزيادة الطلب على الرعاية المنزلية.
- تفاقم هذه العوامل مجتمعة من صعوبة التعامل مع الانتشار المتزايد للأمراض المزمنة، وتلبية احتياجات الأعداد المتزايدة من كبار السن.
|
3- زيادة نسبة الإعالة: تحدٍ يهدد الاستدامة المالية
|
|
- تعتمد الدول التي تشهد ارتفاعًا في أعداد كبار السن على مجموعات أصغر من العمال لجمع الضرائب اللازمة لتمويل الرعاية الصحية، ومزايا التقاعد، والبرامج الحكومية الأخرى.
- يزداد هذا الوضع تعقيدًا في الاقتصادات المتقدمة، حيث يعيش المتقاعدون على دخول ثابتة، ويدفعون ضرائب أقل بكثير من العاملين.
- يشكّل الجمع بين انخفاض الإيرادات الضريبية وزيادة الإنفاق على الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية مصدر قلق بالغاً للدول الصناعية المتقدمة.
|
4- تغير أنماط الطلب: تحولات في هيكل الاقتصاد
|
|
- يشهد الاقتصاد الذي يضم نسبة كبيرة من كبار السن والمتقاعدين تغيرًا في أنماط الطلب، حيث يزداد الطلب على الرعاية الصحية ودور التقاعد.
- ورغم أن هذا التغير ليس بالضرورة سلبيًا، فإن الاقتصادات تواجه تحديات في التكيف مع هذه التحولات، والانتقال إلى أسواق تركز بشكل متزايد على السلع والخدمات الموجهة لكبار السن.
- وهنا يبقى السؤال مطروحًا: هل ستتمكن الهجرة من سد الفجوات التي خلفتها شيخوخة السكان، أم ستضطر الاقتصادات إلى التكيف مع هذه التحولات الديموغرافية؟
|
- تتصدر اليابان قائمة الدول التي تضم أعلى نسبة من كبار السن، حيث تبلغ نسبتهم 28.2% من إجمالي السكان. وتليها إيطاليا وفنلندا.
- وعلى النقيض من ذلك، تتركز أصغر الفئات السكانية في العالم في أفريقيا، حيث يبلغ متوسط العمر في النيجر 15 عامًا فقط.
كيف يمكن للدول مواجهة تحدي شيخوخة السكان؟
- لا شك أن شيخوخة التركيبة السكانية تفرض تحديات اقتصادية عميقة على الدول الصناعية الكبرى، بدءًا من انكماش القوى العاملة وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، وصولًا إلى زيادة نسب الإعالة وتغير أنماط الطلب.
- ومع تسارع هذه التحولات، يصبح من الضروري تبني سياسات استباقية لضمان استدامة النمو الاقتصادي والحفاظ على مستويات المعيشة.
- في هذا السياق، تتنوع الحلول المطروحة بين إصلاح أنظمة التقاعد، وتحفيز الهجرة المدروسة، والاستثمار في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لتعويض النقص في اليد العاملة.
- كما أن تعزيز برامج التدريب وإعادة التأهيل المهني قد يساهم في تمكين الفئات الأكبر سنًا من البقاء في سوق العمل لفترة أطول.
- في النهاية، رغم أن شيخوخة السكان تمثل تحديًا حقيقيًا، إلا أنها قد تشكل أيضًا فرصة لإعادة هيكلة الاقتصادات بما يتماشى مع المتغيرات الديموغرافية، مما يتيح مجالًا لابتكار نماذج اقتصادية جديدة أكثر تكيفًا مع احتياجات المجتمعات المستقبلية.
المصدر: إنفستوبيديا
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: