نبض أرقام
07:42 م
توقيت مكة المكرمة

2025/02/11
2025/02/10

دروس التاريخ .. عملية حوض السمك وقلق الأسواق من إعادة سيناريو عمره 85 عامًا

07:56 ص (بتوقيت مكة) أرقام - خاص

في صباح الأول من يوليو عام 1940، حيث كانت الأمور هادئة في ميناء هاليفاكس الحيوي على الساحل الشرقي لكندا، وصلت شحنة من الأسماك قادمة من المملكة المتحدة مصنفة على أنها "سرية للغاية"، حيث استغرق الإعداد لنقلها عامًا من العمل الجاد.

 

كان ذلك في خضم الحرب العالمية الثانية، حيث جبهات القتال مشتعلة في أوروبا، وضمت ألمانيا النازية بالفعل النمسا وتشيكوسلوفاكيا وغزت بولندا، وكانت على بعد أشهر من سحق جيوش الدنمارك والنرويج وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورج.

 

 

لم تحتوِ الصناديق سمكًا أبدًا، وإنما الذهب، الكثير منه، فمع استمرار تقدم النازيين، بدأت بريطانيا تستعد لأسوأ السيناريوهات بما في ذلك اجتياح ألماني قد يطيح باقتصادها ويعرض بعض أغلى ثرواتها للخطر، بما في ذلك احتياطياتها النقدية.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

هذا السيناريو، لن يشكل هزيمة أمام العدوان فحسب، وإنما يعني أيضًا دعم خزائنه بالمزيد من المال لمواصلة حربه التوسعية، ولذلك وضعت الحكومة البريطانية خطة لمواصلة عملها من مونتريال، وكذلك خطط بنك إنجلترا لنقل عملياته إلى أوتاوا، ومعها سينقل احتياطياته الضخمة من الذهب.

 

وتعد "عملية حوض السمك" (أو Operation Fish) -إشارة إلى الحساسية الكبيرة وطريقة التنفيذ عبر البحر- واحدة من أكبر عمليات نقل الذهب في التاريخ، حيث أُرسلت أطنان من السبائك إلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي لضمان بقاء الاقتصاد البريطاني على قيد الحياة.

 

اليوم، وبعد حوالي 85 عامًا، نشهد تحركات مشابهة، وإن اختلفت الأسباب؛ حيث يتدفق الذهب من لندن إلى نيويورك بوتيرة متسارعة، ما يطرح تساؤلات عميقة حول الثقة في النظام المالي العالمي والمخاوف التي تدفع المستثمرين لاتخاذ مثل هذه الخطوة.

 

هل نحن أمام تغير جذري في قواعد النظام العالمي.. أم حالة مؤقتة تسيطر على الأسواق؟

 

ماذا تغير بعد ترامب؟

 

- على مدى الأشهر القليلة الماضية، وصلت صناديق خشبية مغلقة بإحكام، على متن رحلات تجارية إلى نيويورك قادمة من لندن، والتي نُقلت دون أن يعرف القائمون على عملية الشحن حقيقة أن بداخلها كميات هائلة من الذهب.

 

- يعد بنك إنجلترا ثاني أكبر أمين حفظ للذهب على مستوى العالم بعد بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، حيث يحتفظ بأكثر من 400 ألف سبيكة ذهب، بقيمة تزيد على 450 مليار دولار، نيابة عن البنوك المركزية الأخرى، ولصالح بعض المستثمرين.

 

- خلال يناير، انخفضت مخزونات الذهب لدى بنك إنجلترا بنحو 2%، وأعلن البنك أنه تلقى طلبات سحب كثيرة للغاية، والتي قال إن معالجتها تستغرق أسابيع (بعض التقارير قالت إن المدة قد تصل إلى أشهر).

 

- يسارع المستثمرون في جميع أنحاء العالم إلى نقل الذهب إلى الولايات المتحدة، ويرجع ذلك في الحقيقة إلى الخوف من التعريفات الجمركية المحتملة التي قد تفرضها واشنطن ويترتب عليها علاوات سعرية، ناهيك عن سيناريوهات تصعيد الحروب التجارية وغير التجارية.

 

 

- دفع ذلك المستثمرين إلى بيع الذهب المخزن لدى بنك إنجلترا بخصم عن سعر التسليم الفوري في سوق لندن بأكثر من 5 دولارات، وهو فارق غير مسبوق على الإطلاق، حيث تتراوح العلاوات والخصومات السعرية في نطاق عشرات السنتات للأوقية فقط.

 

- في الوقت الراهن، يتداول الذهب عند مستوى قياسي فوق 2900 دولار، ونصح محللو "جولدمان ساكس" المستثمرين بالتحوط من مخاطر التعريفات الجمركية للرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" عبر شراء الذهب.

 

- منذ الانتخابات الأمريكية في أوائل نوفمبر وحتى أواخر يناير، ارتفعت مخزونات الذهب لدى بورصة السلع في نيويورك "كومكس" بنسبة 75%، لتسجل 30.4 مليون أوقية، أو ما يقترب قيمته من 90 مليار دولار.

 

- قال "كومرتس بنك"، إن حقيقة أن الذهب أغلى بكثير في "كومكس" مقارنة بمراكز التداول الأخرى، قد تكون مرتبطة بالرسوم الجمركية الأمريكية "المخيفة"، ومن المرجح أن تكون عمليات التسليم في البورصة مدفوعة في المقام الأول بالمخاوف بشأن الاضطرابات المحتملة في العرض.

 

أكبر عملية لنقل الثروة في التاريخ

 

- في شهر مايو عام 1940، وصل الألمان إلى ساحل القناة الفرنسية، وحاصروا ما يقرب من 400 ألف جندي وبحار من الحلفاء في دنكيرك، ليقرر رئيس الوزراء البريطاني "ونستون تشرشل" تسريع عملية "حوض السمك" بعد خطاب تعهد فيه أمام البرلمان بـ "عدم الاستسلام".

 

- في المجموع، خطط "تشرشل" لنقل ما يقرب من ألفي طن من السبائك والعملات الذهبية، بما في ذلك حيازات الكبيرة من الذهب الخاص ببنك فرنسا، وكان يخشى خسارة أي شحنة، حيث تعني هذه الاحتياطيات استمرار قدرة بلاده على تمويل الحرب.

 

- نقلت قوافل الشحن أيضًا أعدادًا كبيرة من الأوراق المالية التي كانت مملوكة للقطاع الخاص، والتي صادرتها الحكومة من المواطنين البريطانيين بموجب قانون الطوارئ.

 

- كانت معركة الأطلسي جارية على قدم وساق وبلغ تهديد الغواصات الألمانية ذروته، ففي شهر مايو وحده، غرقت أكثر من 100 سفينة (40% من إجمالي حركة الشحن عبر المحيط).

 

 

- مع ذلك، وصلت أول شحنات الذهب على متن السفينة "إتش إم إس إيميرالد"، بعدما قطعت مسافة 4600 كيلومتر دون أن تصاب بأذى، إلى ميناء هاليفاكس صباح الأول من يوليو، ونقلت الشحنة في 12 عربة قطار بصحبة 300 حارس مسلح، إلى مونتريال.

 

- كانت هذه الشحنة الأولى فقط، ونجحت بقية القوافل في عبور المحيط، متحدية مجموعات الذئاب الألمانية، دون خسارة سفينة واحدة، وبحلول نهاية العملية، نُقل أكثر من 1500 طن من سبائك الذهب والعملات، وبقيت هناك طوال مدة الحرب.

 

- في عام 2017، قدرت قيمة الذهب المنقول بنحو 160 مليار دولار، في عملية شارك فيها أكثر من 600 شخص، وكانت أكبر حركة نقل للثروة المادية في التاريخ، وربما كانت أيضًا أكبر مخاطرة اقتصادية على الإطلاق.

 

الذعر سيد الموقف

 

- رغم أن خلفية القرار وراء عملية "حوض السمك" تختلف تمامًا عما يدفع المستثمرين الآن، لكن تتشابه الحالتان في كون "الخوف" الدافع الرئيسي لهما، قديمًا من الحرب، وفي الحاضر من الرسوم المرتفعة والتضخم وأيضًا الحرب (لكن التجارية).

 

- في حين أن كبار المستثمرين هم من يقود الحركة الحالية لنقل الذهب، كانت بعض البنوك المركزية سببًا في ارتفاع أسعار المعدن النفيس في العامين الماضيين، حيث أضافت في 2024 على سبيل المثال، أكثر من ألف طن لاحتياطياتها.

 

- يعيد ذلك للأذهان، الاتجاه الروسي الآخذ في النمو، حيث قفزت احتياطيات البلاد من الذهب إلى 2300 طن منتصف عام 2023 من نحو 1100 طن منذ 2014، علمًا بأن نسبة المعدن النفيس في الاحتياطي تجاوزت الدولار، لأول مرة عام 2020، في خطوة يبدو أنها جاءت استعدادًا لغزو أوكرانيا.

 

- بعيدًا عن بنك إنجلترا، انخفضت كمية الذهب المخزنة في لندن عمومًا بمقدار 4.9 مليون أوقية في يناير، وهو أكبر انخفاض شهري منذ بدء -رصد البيانات عام 2016، علمًا بأن العاصمة البريطانية هي أكبر مركز عالمي لتجارة الذهب، حيث تحتفظ بنحو 800 مليار دولار من المعدن النفيس.

 

- قالت دار سك العملة الملكية في بريطانيا، إن إيراداتها من مبيعات السبائك الذهبية ارتفعت بنسبة 9% عام 2024 لتصل إلى مستوى قياسي جديد، فيما ارتفعت المبيعات في الربع الأخير فقط بنسبة 153% على أساس سنوي.

 

 

- في حين كان سبب الخوف عسكريًا في منتصف القرن العشرين، فإنه يرجع الآن إلى المخاطر المالية من بين أشياء أخرى، حيث يرى مستثمرون أن الدين العالمي الذي يتجاوز 300 تريليون دولار، يشكل فقاعة لا مفر من انفجارها.

 

- يستشهد بعض المستثمرين أيضًا باختفاء 500 عملة منذ أوائل القرن الثامن عشر، في ظاهرة كان سببها غالبًا "التضخم المفرط"، وتدمير الحكومات لموارد الدولة المالية، وانهيار الإمبراطوريات، وتغير القوى العالمية، وهي عوامل يعتقدون أنها موجودة الآن.

 

- لا شك أن حجم حركة الذهب في إنجلترا والولايات المتحدة خلال الأشهر القليلة الماضية، إذا وضعت في الاعتبار تحوطات البنوك المركزية المستمرة منذ فترة طويلة أيضًا، يعكس حالة الترقب في الأسواق والدول والمخاوف من نشوب "مواجهة ما" بين القوى العظمى.

 

- بسؤاله عن حالة الهلع التي تنتاب المستثمرين الآن، أجاب "شات جي بي تي" بأن ما يحدث الآن قد يعيد تكرار سيناريو "صدمة نيكسون"، عندما ارتفعت أسعار الذهب مباشرة وشهدت العملات تقلبات حادة، فيما ارتفع التضخم بشكل هائل على المدى الطويل.

 

برأيك.. هل تحاول الأسواق إعادة تنفيذ عملية "حوض السمك" لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟

 

المصادر: أرقام- سي إن إن- فايننشال تايمز- بلومبرج- متحف بنك كندا- المجلس العالمي للذهب- ستايستا- ماركت ووتش- الجارديان- صحيفة "City A.M"- شات جي بي تي

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.