انتخاب "ترامب" وعودته للبيت الأبيض في العشرين من يناير تجعله قادراً على إعادة تشكيل الوضع الاقتصادي الذي يعتمد عليه الاحتياطي الفيدرالي لاتخاذ قرارات السياسة النقدية.
لكن ربما يلتزم الفيدرالي بمساره الحالي على الأقل في اجتماع نوفمبر -الذي بدأ أمس وينتهي لاحقًا اليوم- ويخفض الفائدة مجددًا، إلا أن التركيز سيكون أكثر على المستقبل لأن الخلفية السياسية والاقتصادية أصبحت أكثر تعقيدًا بفوز "ترامب".
بالتالي فإن تركيز الأسواق سينصب على المؤتمر الصحفي الذي سيعقده "جيروم باول" رئيس البنك عقب انتهاء الاجتماع -تحديدًا عقب 30 دقيقة من إعلان قرار الفائدة- في ظل عدم اليقين بشأن الاتجاه الذي سيسلكه البنك في ظل رئاسة "ترامب".
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
سيضطر "باول" للرد على وابل من الأسئلة حول ما قد تعنيه عودة "ترامب" للبيت الأبيض بالنسبة للنمو والتضخم وتكاليف الاقتراض، إلى جانب طمأنة المستثمرين بأن الفيدرالي قادر على إدارة تأثير ولاية "ترامب" الثانية.
تاريخ مشحون بالتوترات
رغم اختيار "ترامب" لـ "باول" لإدارة الفيدرالي عام 2018، إلا أنه وجه له عدة انتقادات لتحركاته الاستراتيجية التي يرى أنها لم تساعد إدارة الجمهوري.
عندما بدأت ولاية "ترامب" الأولى في 2017 -واستمرت حتى 2021- كانت هناك فترة من النمو الاقتصادي، ورفع الفيدرالي الفائدة عدة مرات خلال ذلك العام والتالي له، ثم بدأ في خفضها وسط تصاعد التوترات التجارية مع الصين.
لكن اتجه "ترامب" إلى منصة "إكس" -المعروفة حينها بـ "تويتر"- وتحديدًا في أغسطس 2019 وتساءل: من هو عدونا الأكبر "باول" أم الرئيس "شي جين بينج"؟.
وبعد ذلك في عام 2020 مع ظهور الوباء، خفض الفيدرالي الفائدة إلى ما يقرب من الصفر.
وعندما غادر "ترامب" منصبه، رفع الاحتياطي الفيدرالي الفائدة أعلى 5% عن طريق سلسلة من التحركات امتدت لأكثر من عام للسيطرة على التضخم المتسارع.
ثم بدأ في خفض الفائدة في اجتماع سبتمبر 2024 بوتيرة 0.5% مشيرًا إلى المزيد في المستقبل، ومن المقرر أن يتخذ قراره الذي سيصدر لاحقًا اليوم بخفضها بوتيرة إضافية 0.25%.
تهديد استقلالية الفيدرالي
لم يتوقف "ترامب" عن الانتقاد، بل زعم في فبراير من هذا العام أن "باول" يحاول خفض الفائدة لمساعدة الآخرين على الفوز في الانتخابات الرئاسية.
وفي يوليو حذر من أن الفيدرالي لا ينبغي أن يخفض الفائدة قبل وقت قريب من الانتخابات، واقترح أن يكون لرئيس الولايات المتحدة رأي على الأقل في قرارات الفيدرالي.
وأضاف خلال أكتوبر أنه لا يعتقد أنه يجب أن يصدر الأوامر للفيدرالي بما يجب أن يفعله، لكن يحق له التعليق على اتجاه الفائدة.
لكن بشكل عام أثارت تصريحاته مخاوف من أنه ربما يسعى للحد من استقلالية الفيدرالي وإنهاء ما سمح للفيدرالي عبر عقود من الزمان باتخاذ قرارات السياسة النقدية بشكل مستقل عن السلطة التنفيذية.
أما بالنسبة لـ "باول"، فأكد مرارًا وتكرارًا أن وظيفة البنك هي الاستجابة للاقتصاد وليس القيام بشيء استباقي بناءً على خطط سياسية لم يتم تنفيذها بعد.
وذكر في وقت سابق: نحن جهة غير سياسية، لا نريد أن نشارك في السياسة بأي شكل من الأشكال.
نهاية ولاية "باول"
الآن، يعني انتخاب "ترامب" أن فترة ولاية "باول" رئيسًا للفيدرالي تقترب من نهايتها، رغم أنها ستنتهي رسميًا في مايو 2026.
إلا أنه أوضح أنه لن يدفع "باول" للتنحي عن منصبه قبل انتهاء ولايته، خاصة إذا اعتقد أنه يفعل الشيء الصحيح.
لكنه أشار أيضًا من قبل إلى أنه لن يدعم إعادة تعيين "باول" لفترة ثانية كرئيس للفيدرالي، ومع ذلك من غير المؤكد ما إذا كان سيسعى لإقالته قبل عام واحد فقط من انتهاء ولايته الحالية.
يرى "ستيفن براون" الخبير الاقتصادي لدى "كابيتال إيكونومكس" أن "ترامب" قد يهدف لإعادة تشكل الاحتياطي الفيدرالي من خلال التعيينات المستقبلية بدلاً من محاولة التخلي عن "باول" مبكرًا.
وأنه بدلاً من إجبار "باول" على ترك منصبه قبل عام واحد من انتهاء ولايته الحالية، فقد يركز جهوده على تأمين موافقة مجلس الشيوخ على الترشيحات المستقبلية لمسؤولي البنك
هل يحافظ الفيدرالي على مساره رغم فوز ترامب؟
لا يزال من المتوقع على نطاق واسع أن يخفض الفيدرالي الفائدة اليوم بمقدار 25 نقطة أساس، متطلعًا لما هو أبعد من نتائج الانتخابات والتركيز على مستهدف تخفيف تكاليف الاقتراض مع تباطؤ التضخم.
لأنه منذ الخفض الأخير للفائدة تباطأ مقياس التضخم المفضل لدى الاحتياطي الفيدرالي إلى 2.1%، في حين ظل النمو قويًا.
كما ظل سوق العمل قويًا بشكل عام رغم تباطؤ وتيرة التوظيف بشكل حاد في أكتوبر بسبب الظروف الجوية وإضراب عمال مصانع "بوينج".
وهو ما أكده "جيم بولارد" رئيس الفيدرالي السابق في سانت لويس: بشكل عام، يبدو الاقتصاد مرنًا للغاية، ولا يزال سوق العمل يبدو في وضع جيد جدًا.
وتوقع "بولارد" -قبل يوم من الانتخابات- خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس هذا الأسبوع إلى ما بين 4.5% و4.75%، ثم خفضها بنفس القدر في الاجتماع الأخير هذا العام خلال ديسمبر.
ذكرت "ديان سوونك" كبيرة الاقتصاديين لدى "كيه بي إم جي" لوكالة "فرانس برس" الأربعاء: ما زلنا نتوقع خفض الفائدة، على الأقل في اجتماع نوفمبر.
الاستعداد لبيئة جديدة
يبدو أن عودة "ترامب" للبيت الأبيض تضع الفيدرالي على مسار أبطأ وأقل عمقًا لخفض الفائدة، خاصة إذا نفذ وعوده بإصلاح ما يراه اقتصادًا مريضًا.
إذا شرع الرئيس الأمريكي الجديد في تنفيذ وعوده التي تشمل تخفيضات ضريبية وزيادة الإنفاق والتعريفات الجمركية على الواردات، فسيكون لها تأثير ملموس على الفيدرالي.
يرى الخبراء أن تنفيذ جولة أخرى من التحركات الاقتصادية الانعزالية من قبل "ترامب" قد تعيد إشعال التضخم الذي ظل أقل من 3% خلال ولايته الأولى بأكملها.
ورغم أن "جيه بي مورجان" لا يزال يتوقع خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس اليوم والتحرك بوتيرة مماثلة في الشهر المقبل، إلا أن "مايكل فيرولي" كبير خبراء الاقتصاد لدى البنك يرى أن الأمر سيصبح أكثر إثارة للاهتمام بعد ديسمبر.
موضحًا أن الفيدرالي لا يمكنه معرفة أي من السياسات التي اقترحها "ترامب" سيتم تنفيذها وبأي ترتيب، وهذا وحده كفيل بدفع المسؤولين للتحرك بحذر أكثر.
وتوقعت "نومورا هولدينجز" في تقرير حديث ارتفاع التضخم بمقدار 75 نقطة أساس في 2025 تحت قيادة "ترامب"، وخفضًا واحدًا فقط للفائدة، بدلاً من أربعة متوقعة قبل الانتخابات.
وبالتالي فإنه حتى إذا ثبتت صحة التوقعات الحالية وخفض الفيدرالي الفائدة الخميس ربع نقطة مئوية، فإن الاجتماعات المقبلة ستصبح أكثر صعوبة في التنبؤ بها مع تغيير سياسات "ترامب" للتوقعات الاقتصادية والتضخمية.
وستظل الأسواق حول العالم في حالة تأهب لأية دلائل حول خُطى الفيدرالي تحت قيادة الإدارة الجديدة أو على الأقل حتى تتضح نوايا "ترامب".
المصادر: بارونز – سي إن بي سي – فرانس برس – ماركت ووتش - بلومبرج – يورو نيوز
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}