نبض أرقام
04:26 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/10/30
2024/10/29

في سوق الأسهم .. كيف يخسر بعض المستثمرين بسبب ذاكرة السمك؟

2023/06/30 أرقام - خاص

مع الحديث عن أزمة مالية عالمية قد تنطلق هذه المرة من الصين، بسبب تقديرات تشير إلى أن 1.6 تريليون دولار من الديون مهددة بعدم السداد في ثاني أكبر اقتصاد عالمي، منها 270 مليار دولار في شركة عملاقة واحدة، إذا تعثر القطاع العقاري هناك، بما يهدد بانطلاق سلسلة تفاعلات مالية تصيب العالم أجمع.

 

وعند تحليل الأمر يبدو أن الأزمة -رغم شدتها- لن تسبب هذه الآثار العالمية الواسعة (على الرغم من خطورتها) لعوامل كثيرة أبرزها امتلاك البنوك الحكومية الصينية لغالبية هذا الدين، فضلا عن تمتع الحكومة الصينية بفوائض مالية واسعة للغاية يمكنها التصرف فيها لمواجهة هذه الأزمة حال تفجرها دون امتدادها بالخارج.

 

 

الأسهل للاستدعاء

 

فلماذا إذن أثارت هذه الأزمة قلقًا عالميًا بهذا الشكل؟ السبب الرئيس هو أن الأزمة المالية العالمية عام 2008 كانت بسبب تعثر القطاع العقاري الأمريكي، وهو ما يجعلها أسهل للاستدعاء في الأذهان بما يجعلها تثير الذعر بصورة أكبر، أو وفقا لما يعرف بعلم النفس السلوكي بـ"تحيز التوافر"، والذي يعني أن المعلومة الأخيرة غالبا ما تكون أشد تأثيرًا لأنها تكون أقوى في الذاكرة.

 

ويؤدي تحيز التوافر إلى تضخيم تقلبات سوق الأسهم لأن المستثمرين يميلون إلى المبالغة في رد فعلهم تجاه آخر الأخبار أو "الضوضاء" أو حتى "التريند" أو الصيحة بالمفهوم المعاصر، أو كما يقال فإن البعض يعانون من "ذاكرة السمك" بتذكر الأحدث فحسب.

 

ويساعد انحياز التوافر في شرح كيف يمكن لمجموعة من المستخدمين على موقع ريديت Reddit التلاعب في سوق الأوراق المالية في الولايات المتحدة من خلال الاستفادة من ضجة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لدفع سهم شركة متاجر التجزئة للألعاب "جيم ستوب" من سعر يبلغ حوالي 17 دولارًا في بداية شهر يناير 2021 إلى مستوى قياسي بلغ 469.42 دولار في الثامن والعشرين من الشهر نفسه.

 

وتكمن مشكلة تحيز التوافر في أن المستثمرين يفترضون أنه إذا كان هناك شيء ما في الأخبار أو اكتسب ضجة، فإنه يجب أن يكون مهمًا، لأنهم لا يشككون في مصداقية المعلومات، ويؤدي هذا إلى المبالغة في رد الفعل حيث يعتقد المستثمرون أن الشراء يجب أن يكون صحيحًا أو جيدًا إذا كان الجميع يفعل ذلك.

 

تحيز المنحنى الصاعد

 

فعندما يرى المستثمرون المنحنى الصاعد، فإن قرابة 70% منهم لا يستطيعون رؤيته متراجعاً، بل اكتشفت دراسة أنه عندما عرض منحنى صاعد على مستثمرين كآخر بند من بين 24 بندًا معظمها سلبية فإن 85% من المستثمرين رأوا أن سهم هذه الشركة يمثل فرصة شراء.

 

 

وفي المقابل عندما جاء المنحنى المذكور كأول بيان فإن 60% فقط من المستثمرين رأوا أن هذا السهم فرصة شراء وذلك مع مراعاة أن المنحنى الصاعد يشكل نوعاً آخر من الانحياز أيضًا يسمى "اليد الساخنة" أي أن من أحرز أكثر من رمية ثلاثية في كرة السلة سيتمكن باستمرار من إحرازها دون إخفاق.

 

وعلى سبيل المثال أيضا، كان المستثمرون ذوو التحيز للمتاح في عام 2010 يحاولون تجنب الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري (سواء أسهم أو سندات)، حيث امتنع 93% من المستثمرين عن شراء أسمهما لأن الصورة الأحدث كانت فشلًا تامًا للقطاع، إلا أن الحقيقة أن الفشل الذريع في الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري كان قد انتهى بالفعل، لكن الصورة الأحدث لم يتم استبدالها بأخرى.

 

الدببة والثيران

 

وعلى سبيل المثال تشير دراسة حول تأثير الانحياز بالتوافر على الأسواق إلى أن الشركات التي تعلن سحب أحد منتجاتها غالبًا، بسبب وجود عيوب مع إعادته للسوق مثلا أو لتوفير نموذج محدث، غالبًا ما تتأثر أسعار أسهمها بشدة.

 

وتنخفض هذه الأسهم بنسبة تصل إلى 70% زيادة عن الانخفاض العادي الناجم عن أزمة سحب المنتجات من السوق (أي أنه لو كان ينبغي أن تنخفض الأسهم 10% فإنها تنخفض 17%)، وتزداد أهمية الانخفاض مع شهرة الشركة على النطاق الشعبي، كأن تكون شركة أدوية أو سيارات أو أغذية لأن ذلك يجعل الأخبار تعلق في الأذهان لفترة زمنية أطول.

 

 

ولعل هذا التحيز بالتوافر التأكيد هو ما يجعل السوق ينقسم بين ثيران ودببة، فالثيران يبحثون عن الأخبار الإيجابية بشكل عام وهذا هو التحيز التأكيدي (أي تأكيد وجهة نظر مسبقة بارتفاع السوق) مع سهولة استدعاء أحدث خبر إيجابي، وليكن إقفال اليوم السابق على ارتفاع، والعكس صحيح فيما يتعلق بالدببة.

 

وبشكل عام تشير دراسة إلى أن 60-75% من المستثمرين يعانون تحيز التوافر، وهو ما يتسبب في أن إدارتهم لاستثماراتهم عبر الانطباعات الشخصية أو الخبرات المباشرة وعبر "الصيحات" وليس عبر التقديرات الصحيحة للسوق والشركات.

 

كقيادة السيارة

 

وبشكل عام يعاني هؤلاء الذين يبقون أعينهم باستمرار على استثماراتهم بشكل يومي وعلى مدار الساعة من تحيز التوافر بشكل أكبر، فعند انخفاض الدولار مثلا انخفض سعر سهم شركة تعتمد على التصدير، ففور انخفاض الدولار مجددا قد يؤثر هذا على قيمتها وحصيلتها لأن الصادرات تتم بالعملة الخضراء، وذلك دون تحري ما إذا كان الانخفاض مشابهًا لما حدث في المرة الماضية أم لا.

 

ولعل هذا هو ما يدفع الكثير من المحللين إلى التحذير من أن بعض الأخبار التي يتم بثها غالبًا ما تهدف بالأساس للتأثير على أسواق الأسهم بدفع المتداولين إلى البيع أو الشراء، غير مدفوعين بتحليل طويل المدى للأسهم والسوق ولكن بتأثير الخبر الأحدث والأسهل في الاستدعاء.

 

وبناء على ذلك تشير الدراسات مثلا إلى أن سوق العملات الرقمية كثيرًا ما يتصف بالرشد لأن عدد القوى المؤثرة عليه محدود للغاية من الناحية الإعلامية (أكثر من 90% من المتعاملين في أكبر سوقين في العالم يستقون معلوماتهم حول اتجاهات السوق من 8 مواقع فحسب) بما يجعله في كثير من الأحيان سوقًا موجهًا من حيتان السوق "كبار المتعاملين والمالكين للعملات".

 

 

والشاهد أن تأثير انحياز التوفر يزداد باستمرار في أسواق الدول النامية، مع قلة الثوابت التي يعتمد عليها المتعاملون ومحدودية المعارف المالية والاستثمارية، بما يجعل تأثير الأخبار الأحدث أقوى منها في الأسواق الأكثر استقرارًا (وإن كانت قوية في الأخيرة أيضًا).

 

وبشكل عام تشبه دراسة من يعاني انحياز التوفر أو يعتمد على آخر الأحداث أو أسهلها في الاستدعاء للذاكرة من يقود سيارة فقط بالنظر في مرآته الخلفية، فهي هامة بالطبع لكن إهمال النظر أمام السائق وفي باقي المرايا من شأنه أن يتسبب في رفع احتمالية تعرضه "للحوادث" يقينًا، لذا فعلى المستثمر أن يبقى متيقظًا للأخبار حديثها وقديمها وأن يكون التميز وفقًا للوزن النسبي للحدث وليس لتاريخ وقوعه فحسب.

 

 

المصادر: أرقام - دراسة "The Availability Heuristic and Investors' Reaction to Company -Specific Events. Journal of Behavioral Finance.."- فوربس - سي إن بي سي - مانجمنت ستادي جايد.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.