نبض أرقام
12:19 م
توقيت مكة المكرمة

2024/10/30
2024/10/29

جبل الديون .. إرث كورونا الذي يمهد الطريق لأزمة جديدة

2020/07/29 أرقام - خاص

(258.000.000.000.000)

 

إذا كنت تجد صعوبة في قراءة عدد الأصفار السابقة فأنت محق في ذلك، لكن الرقم الذي يتكون من 15 خانة والمعبر عن 258 تريليون دولار هو مقدار الديون التي تكبل عنق دول العالم مجتمعة.

 

ورغم اتجاه العالم للاقتراض بقوة في السنوات الماضية، فإن هذا التوجه يبدو الآن ضعيفا للغاية مقارنة بمستويات الدين في عصر كورونا.

 

 

بحر من الديون

 

الجميع يستدين في عصر كورونا، الحكومات تتجه للاقتراض مع زيادة الإنفاق وتراجع الإيرادات، والشركات تقترض لتعويض نقص الطلب وللحفاظ على بقائها نفسه، وحتى الأسر تطلب الأموال لحل أزمة تراجع أو فقدان الدخل.

 

ومع معاناة العالم من ركود اقتصادي هو الأكبر منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي، فإن الحكومات والبنوك المركزية تدخلت بقوة بضخ تريليونات من الدولارات لكبح جماح الأزمة.

 

وتشير بيانات معهد التمويل الدولي إلى أن إجمالي الدين العالمي قفز لمستوى قياسي مرتفع عند 331% من الناتج المحلي أو ما يعادل 258 تريليون دولار بنهاية الربع الأول من العام الجاري.

 

وجاءت القفزة القياسية في معدل الديون نسبة للناتج المحلي بسبب جانبي المعادلة، فمع ارتفاع القيمة الاسمية للديون دخلت الاقتصادات في حالة انكماش متزامن أيضاً.

 

ورغم الارتفاع التاريخي لمعدل الديون نسبة للناتج المحلي الإجمالي والبالغ 10% في الربع الأول من العام الحالي، فإن القيمة الاسمية لزيادة الدين اقتصرت على 1.2 تريليون دولار، وهو ما يقل عن المتوسط البالغ تريليوني دولار في الفترة بين عامي 2015 إلى 2019.

 

ولم تفرق الأزمة بين الدول الغنية والنامية، حيث قفز الدين في الأسواق المتقدمة لمستوى 392% من الناتج المحلي ووصل في الأسواق الناشئة لنحو 230%.

 

لكن الأزمة لا تظهر جيداً في بيانات الربع الأول، لأن العالم بدأ في زيادة وتيرة الإنفاق الممول بالقروض في شهر مارس الماضي بعد ظهور أثر الوباء على الدول.

 

وبلغت إصدارات الدين الإجمالية مستوى قياسياً بلغ 12.5 تريليون دولار في الربع الثاني من العام الحالي، تمثل الحكومات منها حوالي 60%.

 

ويعبر الصعود في الدين الحكومي بصفة خاصة عن النشاط المتزايد للسياستين المالية والنقدية والساعي لتخفيف تداعيات "كوفيد-19" على الاقتصاد والشركات والأسر.

 

وقامت دول العالم بالاستجابة للأزمة عبر إقرار حزم تحفيز بقيمة 11 تريليون دولار تقريباً، مع وجود تدابير قيد الإعداد حالياً بنحو 5 تريليونات دولار إضافية.

 

 

ويتجه الدين العام العالمي أو ديون الحكومات لتجاوز مستوى 101% من الناتج المحلي بنهاية العام الحالي، وذلك لأول مرة على الإطلاق.

 

ويُتوقع أن تبلغ القفزة في العام الحالي فقط نحو 19%، وهو ما يتجاوز بكثير ما حدث في الأزمة المالية العالمية في 2009 عندما زاد الدين بنحو 10.5%.

 

وفي دول مثل اليابان وإيطاليا وإسبانيا، فإن معدل الدين نسبة للناتج المحلي يتجه لمستويات حادة تبلغ 268 و166 و124% على الترتيب.

 

لكن الأزمة لا تقتصر فحسب على الحكومات، حيث إن ديون الشركات تمثل صداعاً متزايداً في رأس الاقتصاد العالمي مؤخراً.

 

وقفزت ديون الشركات العالمية غير المالية إلى حوالي 75.5 تريليون دولار بنهاية الربع الأول من هذا العام، ما يمثل نسبة قياسية تبلغ 95% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي.

 

ولا يزال الوضع يثير مخاوف مزيد من تعثر الشركات عن سداد ديونها، خاصة مع حقيقة أن قيمة السندات التي فشلت الشركات غير المالية في سدادها قفزت لمستوى قياسي بلغ 94 مليار دولار في الربع الثاني من العام الحالي.

 

إذن نحن نتحدث عن ارتفاع تاريخي لديون الحكومات والشركات، وسط إنفاق متزايد وإيرادات منخفضة وحالات إفلاس قياسية.

 

تكلفة ضئيلة.. ولكن

 

رغم الصعود القياسي للديون العالمية، فإن هناك من يجادل بأن التكلفة المنخفضة تاريخياً للاقتراض حالياً قد لا تجعل الأمر خطيراً في النهاية.

 

وبالفعل، لا تقف البنوك المركزية مكتوفة الأيدي في هذه الأزمة، لكنها تتدخل عبر خفض الفائدة وزيادة مشتريات الديون في الأسواق بغرض توفير التمويل وتقليص تكلفة القروض سواء بالنسبة للحكومات أو الشركات.

ورفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ميزانيته العمومية لتتجاوز 7 تريليونات دولار وهو ما يعادل 32% من الناتج المحلي الإجمالي.

 

وفي منطقة اليورو قفزت ميزانية البنك المركزي الأوروبي لنحو 52% من حجم الاقتصاد، مع قفزة مشتريات الأصول التي أقرها البنك استجابة للوباء.

 

أما في اليابان، فإن البنك المركزي يستهدف منذ فترة طويلة عائداً على السندات لآجل 10 سنوات عند مستوى "صفر"، كما أن الميزانية العمومية للبنك تبلغ 117% من الناتج المحلي الإجمالي.

 

 

لكن الواقع يشير إلى أنه رغم إيجابية خفض تكلفة الاقتراض فيما يخص الأعباء المالية الواقعة على المقترضين، فإن هذا الخفض يشجع الكثيرين على مزيد من الاقتراض ما يزيد من حجم الأزمة.

 

لكن إلى أي مدى تساعد التكلفة المنخفضة؟ الواقع أن البنك الدولي حذر في بداية العام الحالي وقبل ظهور أزمة الوباء من أن هبوط معدلات الفائدة قد لا يكفي لإنهاء خطر الموجة الحالية لصعود الديون العالمية والتي بدأت في عام 2010.

 

وشهد العالم ثلاث موجات للديون في النصف قرن الماضي، الأولى في الفترة من 1970 وحتى 1989، والثانية من 1999 وحتى 2001، والثالثة من 2002 وإلى 2009.

 

وتمنح معدلات الفائدة المنخفضة حماية ضعيفة ومحفوفة بالمخاطر ضد إمكانية حدوث أزمات مالية، كما أن التاريخ يشير إلى أن موجات الديون الثلاث الماضية في آخر 50 عاماً انتهت جميعاً بأزمة مالية.

 

ويرى محمد العريان المستشار الاقتصادي لمجموعة "أليانز" أنه على المستثمرين الاستعداد لحدوث موجة من حالات التعثر عن سداد الديون من جانب الشركات، وبالتبعية حدوث آثار واضحة على المحافظ الاستثمارية والأصول المالية.

 

وإذا كانت الدول الغنية تتمتع بمعدلات فائدة منخفضة، فإن معظم الأسواق الناشئة مثل جنوب إفريقيا مثلاً تفتقد لهذه الميزة، ما يجعل عملية تمويل الدين غير مستدامة.

 

شر لابد منه؟

 

لكن المعضلة هنا تكمن في أنه رغم الذعر من حجم الديون الذي يعصف بالعالم حالياً، فإن البديل لن يكون أفضل حالاً.

 

وإذا توقفت الحكومات عن سياسة التحفيز وبرامج الدعم الحالية بسرعة، فإنها تخاطر بارتفاع حاد في حالات الإفلاس والضرر الدائم للدخل.

 

 

وبالتالي فإن الحكومات لا يجب أن تفكر في إنهاء مبكر لحزم التحفيز المطبقة حالياً، لكنها مطالبة بضرورة الانتباه للخطر والاستعداد للتعامل معه سريعاً بمجرد أن تسمح لها الظروف بالتحرك في هذا الاتجاه.

 

وستحتاج دول العالم لوضع أطر على المدى المتوسط تتضمن خفض الإنفاق غير الضروري وتوسيع القاعدة الضريبية والسعي لتقليص حالات التهرب من الضرائب في مسعى لتقليص كومة الديون والعودة للطريق الصحيح.

 

كما يجب الاتجاه للتفكير في عمليات إعادة هيكلة وخفض للديون للكيانات الأكثر تأثراً بالأزمة، لتفادي ظهور حالات إعسار مالي وإفلاس فوضوي.

 

وبالفعل سمحت دول مجموعة العشرين بتأجيل مدفوعات فوائد الديون بالنسبة للدول الأكثر فقراً حتى نهاية العام الحالي، كما أن هناك مناقشات لتمديد هذا العفو لما بعد 2020.

 

ويكمن كل الخوف في أنه مع استخدام دول العالم كل الأسلحة المتاحة للتغلب على آثار كورونا على الاقتصاد، فإنها تخاطر بإطلاق وحش جديد قد يلتهم كل شيء.

 

 

المصادر: أرقام – صندوق النقد الدولي – معهد التمويل الدولي– البنك الدولي -  بلومبرج– فاينانشيال تايمز– إيكونوميك تايمز

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.