نبض أرقام
12:21 م
توقيت مكة المكرمة

2024/10/30
2024/10/29

تجربة السويد مع كورونا .. كيف ضحت الدولة الاسكندنافية بالأرواح والاقتصاد معاً؟

2020/07/20 أرقام - خاص

منذ ظهور وباء كورونا وانتشاره السريع، تفردت السويد عن معظم دول العالم بقرار استمرار الحياة على طبيعتها وعدم إعلان الإغلاق الوطني.

 

لكن مع معاناة البلد الاسكندنافي من ارتفاع معدلات الوفاة بسبب الوباء العالمي، فإن الاقتصاد أيضاً لم يتفاد الوقوع في براثن التراجع الحاد.

 

 

بعيداً عن السرب

 

مع بداية انتشار فيروس كورونا على نطاق واسع عالمياً في شهر مارس الماضي، بدأت العديد من الدول في فرض تدابير إغلاق وطني للسيطرة على الوباء.

 

وأقرت معظم دول العالم قيوداً صارمة على السفر والتنقل والتجمعات في الأماكن العامة، مع إجبار المواطنين على التباعد الاجتماعي والبقاء في المنازل.

 

وحتى الدول الاسكندنافية الأخرى مثل الدنمارك والنرويج وفنلندا أعلنت قواعد صارمة تشمل إغلاق الحدود ووقف عمل المطاعم والمتاجر والمدارس، في مسعى لإبطاء انتشار الوباء بين مواطنيها.

 

لكن السلطات في السويد تمردت على هذه الرؤية وفضلت إبقاء حدودها مفتوحة والسماح للمحال ومراكز التسوق ومعظم المدارس وحتى الصالات الرياضية بالعمل دون قيود.

 

واقتصرت القرارات الحكومية في السويد على النصائح المكررة بغسل اليدين ومنع التجمعات التي تزيد على 50 شخصا، مع حماية كبار السن من خلال تقليص التعامل معهم خوفاً عليهم من العدوى المحتملة.

 

وتلخصت سياسة الحكومة في السويد في عدم فرض تدابير صارمة مع الاعتماد على الوعي الفردي للمواطنين ومنحهم الحرية في التصرف وفقاً للممكن والضروري لهم.

 

وقال عالم الأوبئة لدى وكالة الصحة السويدية "أندرس تيجنيل" في بداية ظهور الوباء إن استراتيجية بلاده تعتمد على إبطاء انتشار الفيروس بما يكفي لتتمكن من علاج المرضى الذين سيفدون على المستشفيات.

 

 

وأشار صاحب خطة التعامل مع الوباء إلى أن الأمر يعتمد بدرجة كبيرة على التصرفات الطوعية من المواطنين وليس فرض تدابير حكومية صريحة.

 

الوفيات ترتفع والشكوك تتزايد

 

ومع الاستراتيجية المختلفة عن معظم الدول العالم، دفعت السويد ثمناً باهظاً على صعيد أعداد ضحايا الفيروس المميت.

 

وسجلت السويد نحو 76 ألف إصابة و5600 حالة وفاة حتى 15 يوليو، بحسب بيانات جامعة "جونز هوبكنز".

 

بالنسبة للبعض قد تبدو هذه الأرقام منخفضة مقارنة بدول أخرى مثل الولايات المتحدة التي بلغ عدد الوفيات فيها ما يزيد على 140 ألف شخص، لكن يجب اعتبار أن إجمالي عدد سكان السويد يتجاوز بقليل 10 ملايين نسمة فحسب.

 

وبالنظر إلى معدل الوفاة لكل مليون نسمة، فإن السويد تتجاوز الولايات المتحدة بـ554 حالة مقابل 425 للأخيرة.

 

 

وبالمقارنة مع الدول المجاورة، بلغ عدد الإصابات والوفيات بالوباء في النرويج التي يبلغ عدد سكانها 5.4 مليون نسمة حوالي 9 آلاف إصابة و254 حالة وفاة، كما وصل في الدنمارك التي يعيش فيها 5.7 مليون شخص لنحو 13 ألف إصابة و610 وفيات.

 

كما أن معدل الإصابة لكل مليون نسمة في الدنمارك يبلغ 105 حالات، ويصل إلى 59 و47 حالة في فنلندا والنرويج على الترتيب.

 

وبالتالي يظهر الارتفاع الكبير في أعداد الإصابات والوفيات في السويد مقارنة بالدول المجاورة وحتى بالبلدان الأكثر إصابة بالفيروس في حال تعديل الأرقام لتأخذ في الاعتبار عدد السكان.

 

ورغم هذا دافع رئيس وزراء السويد "ستيفن لوفين" عن سياسة حكومته للتعامل مع الوباء معتبراً أنه لا يزال يراها صحيحة ومبررة رغم وفاة أكثر من 5 آلاف شخص.

 

 

في حين أبدى واضع الاستراتيجية السويدية للتعامل مع الوباء "أندرس تيجنيل" تغييراً نسبياً في رؤيته، معترفاً بأن عدم فرض الإغلاق الوطني تسبب في ارتفاع حالات الوفاة.

 

ويقول خبير الأوبئة في حديثه الأخير للإذاعة العامة في السويد: "إذا عاد بنا الزمن مجدداً وبمعرفتنا بما نحن عليه اليوم، أعتقد أننا كنا سنقوم بعمل أكثر توازناً بين ما فعلناه وما قام به باقي العالم".

 

ويعتبر هذا الحديث مختلفاً بشكل كبير عن تصريحات الرجل في شهر أبريل الماضي حينما اعتبر أن حالات الوفاة ترجع لفشل مراكز إيواء كبار السن في منع دخول الفيروس لكنها لا تثبت فشل استراتيجية البلاد بشكل عام.

 

وبحسب تقارير إعلامية سويدية، تعرض "تيجنيل" وعائلته لتهديدات عبر البريد الإلكتروني بسبب طريقة إدارته للأزمة الصحية في البلاد.

 

الاقتصاد يعاني رغم كل شيء

 

إذن دفعت السويد ثمن التعامل بحالة من التراخي مع الوباء على صعيد الإصابات والوفيات، لكن هل استفاد الاقتصاد بما يكفي؟

 

الأرقام الرسمية تظهر أن أداء الاقتصاد لم يختلف كثيراً عن الوضع في الدول التي فرضت قيوداً حازمة على حركة المواطنين وبالتالي قلصت أعداد الضحايا.

 

وبالفعل، سجل اقتصاد السويد نمواً نادراً بين دول القارة العجوز بلغ 0.4% خلال الربع الأول من العام الجاري على أساس سنوي، بدعم الصادرات التي عوضت هبوط إنفاق المستهلكين.

 

في الوقت الذي تعرضت فيه معظم اقتصادات أوروبا لانكماش ملحوظ في الربع الأول، حيث تراجع الناتج المحلي في فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة بنسبة 5.8% و2.3% و2.2% على الترتيب.

 

 

لكن رغم الأداء الأفضل في أول ثلاثة أشهر، فإن توقعات صندوق النقد الدولي ووزارة المالية والبنك المركزي في السويد لا تزال تتوقع انكماشاً يقارب 5% في إجمالي العام الحالي.

 

ومع الاعتراف أن هذه التقديرات تظل أقل كثيراً من الهبوط المتوقع للعديد من اقتصادات المنطقة، لكنها تتجاوز ما تتجه إليه الدول المجاورة للسويد مثل الدنمارك والنرويج.

 

وعلى جانب آخر، ارتفع معدل البطالة في السويد بنهاية شهر يونيو لأعلى مستوى منذ عام 2010 ليصل إلى 9% مقارنة بـ7.1% قبل ظهور الوباء وهي وتيرة ارتفاع تزيد على الدنمارك مثلاً رغم الاختلاف الجذري في طريقة التعامل مع الوباء وبالتالي عدد الإصابات والوفيات.

 

وتراجعت عمليات تسجيل السيارات والمعبرة عن المبيعات الجديدة للمركبات في البلاد بنسبة 49 % في مايو الماضي على أساس سنوي، وهي نسبة تتجاوز المسجل في الدنمارك أيضاً والتي بلغت 40%.

 

وتعرض مؤشر مديري المشتريات الصناعي والمعبر عن نشاط القطاع الخاص لهبوط حاد بداية من شهر مارس وحتى أحدث بيانات معلنة في يونيو الماضي، كما أنه لا يزال في نطاق الانكماش.

 

واعترف البنك المركزي في السويد بأن الوباء أضر بثقة الأعمال وسلاسل التوريد في البلاد، محذراً من أن الكثير من الشركات سوف تتضرر بشدة مع فقدان العديد من الأشخاص لوظائفهم على مدار الأشهر المقبلة.

 

لكن لماذا لم تستفد السويد اقتصادياً على الأقل من سياسة عدم الإغلاق؟

 

بصرف النظر عن قرار الحكومة وسياستها، فإن الوباء دفع المستهلكين لتعديل سلوكياتهم لتفادي الإصابة بالفيروس والحذر من التعامل بطريقة طبيعية فيما يتعلق بالتسوق والتنزه.

 

ومع تراجع شهية المستهلكين للإنفاق غير الضروري، خفضت الشركات خططها للاستثمار والتوسع لحين وضوح الرؤية المستقبلية وتعافي الطلب.

 

كما أن معاناة باقي الدول المحيطة يؤثر بشدة على التجارة الخارجية التي تمثل عاملاً مهماً لاقتصاد السويد، بالإضافة إلى تعطل العمل في المصانع مع اضطرابات سلاسل التوريد عالمياً.

 

ورغم استعداد الحكومة السويدية للعمل بالشكل المعتاد، فإن الكثير من مواطنيها لم يشاركوها نفس الحماس، ناهيك عن أنه عندما يتوقف العالم عن العمل فإن قرارات دولة بعينها قد لا تغير من الوضع كثيراً.

 

 

المصادر: أرقام – هيئة الإحصاءات السويدية – صندوق النقد الدولي - وورلد ميتيرز – جونز هوبكنز - نيويورك تايمز – بي بي سي – ماركت ووتش

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.