نبض أرقام
02:28 م
توقيت مكة المكرمة

2024/10/30
2024/10/29

ومن التضخم ما قتل.. كيف اكتسب المؤشر الاقتصادي أهميته؟ وكيف تبدلت ماهيته؟

2019/11/02 أرقام - خاص

"إذا لم يجد الفقراء الخبز، فليأكلوا الكعك إذن".. قالتها "ماري أنطوانيت" ملكة فرنسا وزوجة الملك "لويس السادس عشر" قبيل موجة الغضب الشعبي التي قادها الفقراء والجياع بحثًا عن لقمة العيش في المقام الأول.

 

 

في الحقيقة، ما كانت تجهله أو ربما تتجاهله "أنطوانيت" التي أعدمت بعد سقوط سلطان زوجها جراء الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، هو أن الفقراء الذين اشتكوا عدم قدرتهم على توفير الخبز، لم تكن معاناتهم في معرفة أين يُباع ولكن كيف يُشترى.

 

فإلى جانب الأسباب السياسية والتركيبة الاجتماعية للبلاد، كان للاضطرابات الاقصادية والأزمة المالية وارتفاع ديون البلاد أثر بالغ في إثقال كاهل المواطنين، حيث تفشى الفقر مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الخبز.

 

ربما لو كانت تدرك "أنطوانيت" أو (مهتمة بإدراك) التغير في قيمة أسعار السلع وكيف أن ذلك يؤثر على المزاج العام للشعب وشعورهم بالرفاهية والاستقرار، لما وجدت نفسها في مواجهة هؤلاء الفقراء الذين تسببوا في النهاية في إعدامها وزوجها.

 

المؤشر الأكثر أهمية للحكومات
 

- قياس حركة أسعار المنتجات ربما تكون الممارسة الاقتصادية الأهم لقادة الأمم، لأنها تعبر عن تغير يمس الشعب مباشرة وينعكس على رفاهيته وشعوره بالرضا والغنى، وبالتالي فهي مهمة لمعرفة كيف يشعر المواطنون.
 

- هذا بالضبط ما يوفره مؤشر التضخم، الذي يعكس التغير في أسعار السلع والخدمات بمرور الوقت، والذي يعني في حين زيادته أن على المواطنين إنفاق المزيد مثلًا لتزويد سياراتهم بالوقود أو الحصول على خدمة ما، ببساطة تعني الزيادة ارتفاع تكلفة المعيشة وتراجع قيمة العملة.



 

- يعرف التضخم بأنه النسبة المئوية للزيادة في الأسعار خلال فترة محددة (شهر أو سنة في أغلب الحالات)، وعلى سبيل المثال، إذا كان التضخم في سلعة بعينها (ثمنها دولاران) يبلغ 2% سنويًا، فهذا يعني أن سعرها زاد بمقدار 0.04 دولار على مدار العام.
 

- كان التضخم منذ فترة بعيدة هو آفة الاقتصاد العالمي ومصدر انزعاج السياسيين حول العالم، فمثلًا في الولايات المتحدة عام 1971 عندما كان الاقتصاد الأمريكي يشهد حالة من الفوران، خرج الرئيس "ريتشارد نيكسون" في خطاب متلفز ليعلن تجميد الأسعار والأجور.
 

- حتى خليفته "جيرالد فورد"، رفع شعار "الفوز من أجل كبح التضخم"، فيما قال الرئيس "رونالد ريغان" عند ترشحه، إن التضخم "عنيف مثل المجرمين، ومخيف مثل اللصوص المسلحين، ومميت مثل القاتلين المأجورين".

 

لا جموح في الأسعار
 

- مع ذلك، فإن هذا القاتل المميت لم يعد موجودًا، ولا يهدد أغلب الاقتصادات بتفاقم الأسعار كما كان في السابق، بل إن هناك معاناة حقيقة بالنسبة لبعض البلدان في رفع مستوى التضخم، حتى إن الفائدة المنخفضة للغاية لم تساعد في زيادة الأسعار في الاقتصادات المتقدمة.
 

- كما أن طباعة النقود من قبل البنوك المركزية في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو وبريطانيا واليابان وسعت ميزانياتها العمومية إلى ما يتجاوز 15 تريليون دولار (35% من الناتج المحلي الإجمالي)، والبطالة عند أدنى مستوياتها منذ عقود.



 

- يقول صندوق النقد الدولي، إن من بين أعضائه 41 دولة تستهدف السياسة النقدية لديها التضخم، 28 دولة منها إما ستخفض توقعاتها للتضخم في 2019 أو أنها ستسجل بالفعل معدلا ضمن النصف الأدنى من النطاق المستهدف.
 

- كانت موضة استهداف البنوك المركزية التي تتطلع للسيطرة على التضخم في التسعينيات سببًا في تحصين الاقتصادات تدريجيًا ضد جموح الأسعار، لكن يبدو أن صانعي السياسة إما غير راغبين أو غير قادرين على إيقاف التضخم عند المستوى المستهدف، إذ يظل دونه أغلب الوقت.
 

- في الحقيقة، أدى التغير التقني وتدفقات السلع ورأس المال عبر الحدود إلى جعل التضخم مؤشرًا اقتصاديًا أقل جدوى وأقل مرونة، لذلك، تجد البنوك المركزية صعوبة في تثبيته عند المستويات المستهدفة.

 

تغير وتشكك في الموثوقية
 

- التغيرات الاقتصادية عوضت بعض التحسن في طرق قياس التضخم، حيث أصبحت السلع الرقمية والقطاعات الخدمية والمؤسسات متعددة الجنسيات أكثر انتشارًا وهيمنة مما كانت عليه قبل 20 عامًا، وهي جوانب يصعب قياسها.
 

- الأمر الآخر الذي يضعف موثوقية مؤشر التضخم (وربما يكون ذا صلة بالتطور التقني) هو أن السلع غالبًا ما تتغير جودتها، فعلى سبيل المثال، تصدر شركة "أبل" جوالات وحواسيب متطورة ولها إمكانيات وقدرات أكبر من سابقتها وهنا يكون قياس التغير في السعر مخادعا بعض الشيء.



 

- من النادر رؤية معدل التضخم فوق 2% في البلدان الغنية منذ انهيار أسعار النفط عام 2014، ورغم أنه يتجاوز هذا المستوى في الأسواق الناشئة، إلا أنه يسلك نفس المسار، ويبدو أنه في طريقه لتحقيق نبوءة الاقتصاديين الذين تحدثوا قبل عقدين عن حقبة من تراجع التضخم العالمي.
 

- في ظل البيئة منخفضة التضخم، قد تصبح الأمور أسوأ، فمع توقع الجمهور انخفاضًا أكبر في التضخم، يرتفع معدل الفائدة الحقيقي، ويضعف الطلب وبالتالي يتراجع التضخم بشكل أكبر، وما كان ذلك ليشكل أزمة حال كانت البنوك المركزية قادرة على خفض سعر الفائدة الاسمِيّ للتصدي للركود القادم.
 

- يقول البعض إن التضخم يتراجع لأن الحكومات فقدت القدرة على دفع الأسعار، لكن هذا ليس صحيحًا، بإمكان الحكومات خفض الضرائب وزيادة الإنفاق وطباعة المزيد من النقود لتمويل العجز، وحينها ما كان التضخم ليظل في مساره الهبوطي.
 

- رفع التضخم أصبح أكثر صعوبة في الحقيقة لأن الاقتصادات تتغير بطرق لم يتم فهمها بشكل كامل حتى الآن، وتحتاج السياسة النقدية لأن تتكيف مع التغيرات.


 

الحكومات تتجه نحو استبدال المؤشرات
 

- في مايو الماضي، أفادت تقارير بأن إدارة الرئيس "دونالد ترامب" تريد إعادة تعريف مستويات الفقر الوطنية، وذلك عن طريق تغيير طريقة حساب التضخم التي استخدمت على مدار عقود لتحديد ما إذا كان الشخص مؤهلًا لبرامج الدعم الفيدرالية.
 

- نقلت "بلومبيرغ" عن مسؤول في الإدارة الأمريكية قوله، إن مقياس التضخم يحتاج إلى إعادة تقييم، لأنه ظل دون تغيير لمدة 40 عامًا، في الوقت الذي تزايدت فيه المعرفة بشأن حساب الزيادة في تكاليف المعيشة.
 

- ليست هذه المرة الأولى التي يفكر فيها البيت الأبيض في استخدام مؤشر أسعار مختلف لخفض مساعدات البرامج الحكومية، فقد اقترح الرئيس السابق "باراك أوباما" عام 2014، تغيير مؤشر التضخم المستعان به في احتساب تغيرات تكاليف المعيشة في الضمان الاجتماعي وبرامج التقاعد الأخرى.
 

- في حين يتحتم على السياسة النقدية التكيف، فعلى السياسة المالية أن تضطلع بدورها في السيطرة على انخفاض التضخم، والأهم من هذا وذاك، هو فهم مواضع الخطأ في النماذج الاقتصادية.

 

المصادر: الإيكونوميست، ذا بالانس، ڨوكس، بروكينغس، بلومبيرغ

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.