نبض أرقام
02:29 م
توقيت مكة المكرمة

2024/10/30
2024/10/29

الشراء بالغالي والبيع بالرخيص .. مستثمرو سوق الأسهم والتآمر على الذات

2019/10/25 أرقام - خاص

"أوكازيون".. ربما هذه هي أكثر الكلمات جاذبية وإقناعاً للزبون في أي إعلان. تخيل أنك في السوبرماركت وبينما تمشي بين ممراته لشراء حاجاتك الأسبوعية من البقالة لاحظت أن القهوة من النوع الذي تفضله معروضة للبيع بـ20 ريالاً للكيلو بدلاً من 35 ريالاً كما هو المعتاد.

 

ماذا ستفعل حينها؟ أنت في الحقيقة ربما تقوم بملء عربة التسوق الخاصة بك بكمية كبيرة من هذه القهوة. ولكن عندما تعود في الأسبوع القادم وترى أن سعر نفس النوع من القهوة أصبح 40 ريالاً للكيلو، فأنت غالباً ستحجم عن الشراء، وقد يكون شراء الشاي مثلاً في هذه الحالة خيارًا أكثر ذكاءً.

 

 

هذه هي الطريقة التي يتسوق بها معظم الناس. فهم يبحثون طوال الوقت عن الخصومات المتاحة على أي شيء يريدونه أو يحتاجونه. فقد ينتظرون مثلاً نزول خصم على غسالة الصحون أو الثلاجة التي يريدون اقتناءها، وفي نفس الوقت تراهم يجوبون المولات والمراكز التجارية الكبيرة بحثاً عن العروض التي يتم تقديمها عدة مرات فقط خلال العام.

 

فالمستهلكون يقومون طوال الوقت بعمل مقارنة في أدمغتهم بين السعر الذي يدفعونه والقيمة التي يحصلون عليها. ولهذا عندما تنخفض الأسعار يشترون المزيد من الأشياء التي يحتاجونها.

 

وهذا ينطبق على كل مناحي الحياة إلا سوق الأسهم! ففي هذا السوق يميل المستثمرون بشكل غريب إلى شراء الأسهم الغالية أو الساخنة، تلك التي يتحدث عنها الجميع سواء في الأحاديث الخاصة أو في وسائل الإعلام. وغالباً ما تتمحور الرسائل المنتشرة في السوق حول هذه الأسهم حول فكرة مفادها أن المستقبل لهذه الأسهم وأنها فرصة لا تعوض.

 

الخسارة وعقلية القطيع

 

المثير للاهتمام حقيقة هو أن هذا الفخ لا يقع فيه المستثمر العادي أو المتوسط فقط، بل تقع فيه أيضاً شركات البحوث وبيوت الخبرة. فبمجرد أن يشهد السوق موجة صعودية تبدأ التقارير الصادرة عن تلك الشركات في الصراخ بشكل جماعي: شراء شراء شراء. وعندما تتراجع الأسعار تعود نفس التقارير لتنصح المستثمرين بالاحتفاظ بالسهم، وهي طريقة مهذبة للنصح بالبيع.

 

وهكذا أصبح الجميع يشتري أسهما أسعارها مرتفعة ويبيع الأسهم ذات الأسعار المنخفضة. وفي الحقيقة يوجد هناك أكثر من سبب لهذا السلوك الغريب:

 

أولاً، يخاف المستثمرون من تفويت ما يُعتقد أنها فرصة رائعة، ولهذا ينجذبون للأسهم الساخنة أو ذات الشعبية التي يتحدث عنها الجميع. وفي نفس الوقت يشعرون بشيء من الراحة حين يعرفون أن هناك الكثير من الناس قد اتخذوا نفس الخيارات، تماماً مثل المشجعين الذين يهتفون لنفس الفريق.

 

 

وحتى لو انخفضت أسعار هذه الأسهم بعد شرائها، فغالباً سيتراجع شعور المستثمر بألم الخسارة لأن الكثير من أقرانه الذين اتخذوا نفس خياراته ستتراجع قيمة محافظهم أيضاً. فالكثير من المستثمرين بإمكانهم التصالح والتعايش مع فكرة الخسارة ما دام أن الجميع يخسر أيضاً.

 

ثانياً، أغلب المستثمرين لا يمتلكون الثقافة ولا رباطة الجأش اللازمة للتعامل مع هبوط السوق. فالمستثمرون سواء كانوا أفرادا أو محترفين يشعرون بخيبة الأمل عندما تتراجع الأسعار ويسيطر عليهم الخوف والتشاؤم لدرجة تحول دون اقتناصهم لأسهم انخفض سعرها لما دون قيمتها الجوهرية بفارق مريح.

 

ربما سيكون المستثمر أفضل حالاً لو تعامل مع سوق الأسهم كما يتعامل مع السوبرماركت. فالمنطق الكامن وراء شرائك للقهوة ينبغي أن يكون هو نفسه الكامن وراء شرائك للسهم. فأفضل وقت لشراء السهم عندما يكون معروضا بخصم كبير وليس عندما يكون سعره مرتفعاً بسبب إقبال الجميع عليه.

 

القيمة مقابل النمو

 

لطالما كانت الأسهم الساخنة (أو أسهم النمو كما يطلق عليها في السوق) أكثر أشكال الاستثمار إثارة للاهتمام. ولكن هل هي الأكثر ربحية؟ عندما يستثمر الناس في أسهم النمو فإنهم بشكل أساسي يتوقعون نمو الشركة بوتيرة أسرع من بقية السوق.

 

مشكلة الأسهم الساخنة أو ذات الشعبية هي أن إقبال وتدافع المستثمرين عليها يصل بأسعارها إلى مستويات غير مستدامة ومبالغ فيها. وعندما تنخفض معدلات نمو الشركة تتضرر محفظة المستثمر بشكل كبير. ففي النهاية لا شيء ينمو بمعدلات عالية للأبد.

 

 

في المقابل هناك الكثير من الدراسات التي تقدم حججا قوية تدعم فكرة شراء أسهم القيمة عندما تكون معروضة بخصم سعري معقول. ففي كتابه الصادر في عام 2006 تحت عنوان "الكتاب الصغير حول استثمار القيمة" يشير "كريستوفر براون" إلى أنه في الفترة ما بين عامي 1968 و2004 تمكنت المحافظ المكونة من أسهم القيمة في السوق الأمريكي من التفوق على غيرها بعدة نقاط مئوية.

 

هناك الكثيرون الذين يرون أنه من المستحيل التغلب على السوق لفترات طويلة، وهم بذلك يتجاهلون سجلات الأداء الخاصة بالكثير من المستثمرين وفي مقدمتهم أساطير مثل "وارن بافيت" و"بيل ميلر" ويعتبرونهم مجرد محظوظين.

 

هذا الاعتقاد يعتمد بشكل أساسي على ما يعرف بفرضية السوق الفعالة التي يتم تدريسها في العديد من الجامعات. وتزعم هذه الفرضية أنه لا توجد هناك أسهم غالية وأسهم رخيصة وأن السوق هو كيان عقلاني وذكي يقوم بتسعير كل سهم يومياً بشكل مثالي بناء على المعلومات المعروفة. وأن أي شخص يحقق عوائد تفوق السوق هو مجرد محظوظ لا أكثر.

 

"وارن بافيت" له رأي آخر

 

في خطابه الشهير الذي ألقاه في 1984 في الذكرى الخمسين لنشر كتاب "تحليل الأسهم" للمستثمر البريطاني الشهير "بنيامين جراهام" (والذي نشر لاحقاً في مجلة كلية كولومبيا لإدارة الأعمال) ضرب المستثمر الأمريكي مثالاً لا يزال عالقاً في أذهان كثيرين.

 

افترض "بافيت" أن هناك 225 مليون أمريكي يراهن كل اثنين منهما بعضهما البعض على واحد دولار باستخدام لعبة العملة المعدنية. وفي كل يوم ينسحب الخاسرون وينتقل الفائزون إلى الجولة التالية، ويراهنون بعضهم على المكاسب التي حققوها خلال الأيام السابقة.

 

بعد 20 يوماً فقط، لم يتبق سوى 215 شخصاً يبلغ ربح الواحد منهم مليون دولار. مؤيدو فرضية السوق الفعالة سيقولون إن هؤلاء ما هم إلا مجموعة من المحظوظين. ولكن "بافيت" استطرد قائلاً إنه لو تمت إعادة اللعبة مرة أخرى سيفوز نفس الـ215 شخصاً.

 

وهذا من شأنه إثارة سؤال مهم هو: كيف تعلم هؤلاء الربح؟ هل هو الحظ أم أن هناك شيئا مشتركا بين هؤلاء؟ ببساطة إن هؤلاء الـ215 شخصاً لديهم شيء مشترك يجمع بينهم وهو المهارة والأسس الفكرية.

 

 

أغلب المستثمرين الذين استشهد بهم "بافيت" في خطاباته وأحاديثه المختلفة إما حضروا دورة "بنيامين جراهام" في كلية كولومبيا لإدارة الأعمال وإما عملوا معه في شركته الاستثمارية. وجميعهم مارسوا استثمار القيمة بأشكال مختلفة ولكنهم اشتركوا في المفهوم الأساسي الكامن وراء هذا النهج وهو شراء الأسهم بأقل من قيمتها.

 

وقد تمكنوا جميعاً من التفوق على السوق وتحقيق عوائد أكبر من تلك التي حققها أقرانهم الأكثر اهتماماً بأسهم النمو. فهم لم يطبقوا مبادئ استثمار القيمة بنفس الطريقة ولم يمتلكوا نفس الأسهم وكانت محافظهم مختلفة تماماً، ولكن كل ما في الأمر هو أنهم كانت لديهم أسس فكرية مشتركة.

 

خلاصة الكلام: كما هو منطقي أن نقوم بشراء القهوة أو الثلاجة أو غسالة الصحون عندما تكون معروضة بخصومات سعرية كبيرة، فمن المنطقي أيضاً أن يشتري المستثمر الأسهم المعروضة بخصم سعري كبير، ولكنه قبل ذلك يحتاج إلى امتلاك الجرأة الكافية ليقدم على الشراء في الوقت الذي يبيع فيه الجميع.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.