نبض أرقام
02:22 م
توقيت مكة المكرمة

2024/10/30
2024/10/29

السر الصغير .. حيلة قانونية تمكن الإدارة من خداع مستثمري سوق الأسهم

2019/07/19 أرقام - خاص

"من سيربح المليون" .. ربما هو أنجح وأشهر البرامج التلفزيونية في التاريخ، والذي بثت منه نسخ عديدة بلغات وأسماء مختلفة في أكثر من 100 دولة حول العالم.
 

والفكرة التي يقوم عليها هذا البرنامج غاية في البساطة: يوجه إلى المتسابقين نحو 15 سؤالاً، ومن يجاوب على تلك الأسئلة بشكل صحيح يفوز بالجائزة الكبرى وهي المليون. أما إذا أجاب المتسابق بشكل خاطئ على سؤال واحد فقط، فهذا كفيل بإخراجه من المسابقة.
 

وإذا وجد المتسابق صعوبة في الإجابة عن أي من الأسئلة الموجهة إليه فبإمكانه الاستعانة بثلاث وسائل مساعدة. الأولى هي الاتصال بصديق والثانية هي استطلاع رأي الجمهور، أما الثالثة والأخيرة فهي طلب حذف إجابتين.
 

 

هذه الوسائل الثلاث يجب أن يستخدمها المتسابق بحكمة وحرص شديد لأنه لا يمكنه اللجوء إلى أي منها سوى مرة واحدة، وبمجرد أن يستخدمها ينتهي الأمر ولا عودة إليها مرة أخرى.
 

بنفس الطريقة ووفق نفس الفلسفة تلجأ الكثير من الشركات المدرجة بسوق الأسهم إلى استخدام بعض الوسائل بغرض المساعدة في جعل التدفقات النقدية تبدو أفضل مما هي عليه في الواقع. ولكن ما يفشل مديرو تلك الشركات في إدراكه هو أن هذه الوسائل – كما هو الحال في البرنامج التلفزيوني – لا يمكن الاعتماد عليها للأبد.
 

الحل هو ذاته الفخ
 

هل تدير شركة مدرجة بسوق الأسهم وترغب في جعل تدفقاتها النقدية تبدو لجمهور المستثمرين أفضل مما هي  عليه في الواقع؟ الأمر بسيط جداً وأبعد ما يكون عن التعقيد، لأن كل ما تحتاج إليه ببساطة هو استخدام حيلة أو وسيلة مساعدة نطلق عليها "تأخير الدفع".
 

ببساطة ستأتي في نهاية العام وبدلاً من أن تقوم بدفع أي مصاريف مستحقة على الشركة في شهر ديسمبر، ستؤجل ميعاد الدفع إلى يناير. وهكذا ستصبح التدفقات النقدية للشركة في العام المنتهي أعلى مما هي عليه في الواقع لأنك قمت بإزاحة مصروفات ديسمبر إلى العام التالي.
 

 

والظريف هو أن المستثمر أو المساهم حين ينظر إلى قائمة التدفقات النقدية أثناء تفحصه البيانات المالية الصادرة عن الشركة في نهاية العام سيفرح جداً حين يلاحظ أن الأرقام الموجودة أمامه تشير إلى وجود زيادة بالتدفقات النقدية الخاصة بالشركة. وهو بالطبع ليس لديه فكرة عن مصدر هذه الزيادة، وعلى الأغلب لن يزعج نفسه بمحاولة معرفة ما إذا كانت زيادة حقيقية أم لا.
 

حتى الآن، الإدارة سعيدة والمستثمر مبتهج، ولكن ما يفشل أكثر المديرين الذين يلجأون إلى تلك الحيلة في إدراكه هو أن هذه الحركة من الصعب جداً إن لم يكن من المستحيل استخدامها أكثر من مرة. تماماً مثل لجوء المتسابق إلى طلب الاستعانة بصديق في البرنامج التلفزيوني، فبمجرد أن تنتهي المكالمة انتهى الأمر وخرجت هذه الوسيلة من دائرة الاختيارات.
 

سيأتي العام التالي وستدرك الإدارة أنه كي لا تتراجع تدفقاتها النقدية مقارنة مع العام السابق فهي في حاجة إلى تأجيل مدفوعات شهرين اثنين بدلاً من شهر واحد إلى يناير من العام التالي. وحين يأتي العام الذي يليه ستجد نفسها مضطرة لتأجيل مدفوعات ثلاثة أشهر، وهكذا.
 

تأجيل أي شركة في السوق مدفوعاتها لمدة شهر قد لا يشكل أزمة، وإذا قامت بتأجيل شهرين ربما تصبح الأمور مثيرة للريبة والقلق. أما إذا تهورت الإدارة وقامت بتأجيل ثلاثة أشهر بغرض الاستمرار في لعبة تحسين التدفقات النقدية التي علقت فيها وبدأتها ولا تستطيع الخروج منها فقد يتحول الأمر إلى كارثة خصوصاً إذا تسرب الأمر للسوق.
 

 

باختصار، لعبة "تأخير الدفع" لا يمكن اللجوء إليها سوى مرة واحدة لأنه لا يمكن للشركات أن تستمر في تأخير الدفع إلى الأبد، ولكن للأسف بعض المديرين يخونهم ذكاؤهم ويعتقدون أنهم وجدوا طريقة دائمة لتوليد المزيد من السيولة النقدية، وهذا طبعًا فشل منهم في إدراك الميكانيزم التي تعمل بها هذه الطريقة.
 

بعض الشركات في السوق تراها تدافع بشدة عن قوة بند "التدفقات النقدية التشغيلية" (CFFO) الخاص بها ولكنها لا تكشف لك سرها الصغير: ببساطة تمكنت تلك الشركة من زيادة تلك التدفقات من خلال مماطلتها في الدفع لمورديها في المواعيد المقررة.
 

3 مليارات دولار في عام واحد!
 

بعد أيام قليلة من خسارته للصراع على رئاسة شركة جنرال إلكتريك لصالح "جاك ويلش" – أحد أفضل المديرين التنفيذيين في التاريخ – تم تعيين "بوب نارديلي" رئيساً تنفيذياً لشركة "هوم ديبوت" في ديسمبر من عام 2000 كمحاولة لترضيته.
 

ومنذ العام الأول لرئاسته للشركة، تمكن "نارديلي" من إبهار الجميع، بعد أن تمكن من مضاعفة التدفقات النقدية التشغيلية (CFFO) للشركة لترتفع من 2.8 مليار دولار إلى نحو 6 مليارات دولار.
 

سيطر على المستثمرين شعور بالسعادة والابتهاج منعهم من محاولة النظر إلى تفاصيل تلك الزيادة، والتي كان من الممكن بسهولة جداً اكتشاف أنها غير مستدامة وغير مرتبطة أصلاً بزيادة المبيعات أو بتحسن الأداء التشغيلي للشركة.
 

 

فكل ما في الأمر هو أن "نارديلي" قام في عامه الأول بتغيير الشروط التي تتعامل وفقها "هوم ديبوت" – العاملة في بيع منتجات إصلاحات المنازل – مع مورديها إلى شروط أكثر سوءًا وإجحافاً.
 

على وجه التحديد بدأت الشركة في المماطلة في الدفع للموردين أو الدفع لهم بوتيرة أكثر بطأ. وبحلول نهاية العام المالي 2001 زدات فترة الـ"DPO" أو "متوسط عدد الأيام التى تدفع الشركة خلالها مستحقات الدائنين والموردين" لتصل إلى 34 يوماً وذلك مقارنة مع 22 يوماً في العام السابق.
 

وبالنظر إلى قائمة التدفقات النقدية الخاصة بالشركة في أعوام 2000 و2001 و2002 نلاحظ أن التغير الكبير الذي شهده بند "الحسابات الدائنة" كان هو المسؤول الأساسي عن الزيادة الكبيرة التي شهدتها التدفقات النقدية التشغيلية الخاصة بالشركة في 2001.
 

قائمة التدفقات النقدية لـ"هوم ديبوت" في الفترة ما بين عامي 2000 و2002

البند

العام المالي (المبالغ بالمليون دولار)

 

2000

2001

2002

صافي الإيرادات

2581

3044

3664

الإهلاك والاستهلاك

601

764

903

صافي الزيادة في الحسابات المستحقة

(246)

(119)

(38)

الزيادة في المخزونات التجارية

(1075)

(166)

(1592)

الزيادة في الحسابات الدائنة

268

1878

1394

الزيادة في الأرباح المؤجلة

486

200

147

الزيادة في ضرائب الدخل مستحقة الدفع

151

272

83

الزيادة (أو النقصان) في ضرائب الدخل المؤجلة

108

(6)

173

بنود أخرى

(78)

96

68

صافي التدفقات النقدية التشغيلية

2796

5963

4802

         

قام "نارديلي" بحيلته ومر العام الأول وتحديدا عام 2001 بسلام. جاء العام التالي وواجهت خلاله الشركة تحدياً كبيراً يتمثل في محاولة تحسين نتائج 2001 أو الحفاظ عليها على الأقل. ولكن إذا أرادت الشركة تحسين تدفقاتها النقدية التشغيلية فعليها أن تماطل في الدفع للموردين لمدة أطول مقارنة مع العام الماضي.
 

أدرك "نارديلي" فجأة صعوبة ذلك، ولكنه في نفس الوقت وجد نفسه مضطراً لتأخير الدفع للموردين لفترة أطول كي لا تتدهور نتائج عام 2002 كثيراً مقارنة بعام 2001. وبالفعل في ذلك العام ارتفع متوسط عدد الأيام التي تدفع الشركة خلالها مستحقات الدائنين والموردين من 34 يوماً إلى 41 يوماً.
 

وفي نفس العام تفاجأ المستثمرون بانخفاض التدفقات النقدية التشغيلية للشركة من 6 مليارات دولار في عام 2001 إلى 4.8 مليار دولار.
 

مسؤوليتك كمستثمر
 

في الحقيقة ولكي نكون منصفين يجب أن نوضح أن ما فعله "نارديلي" لا يمكن اعتباره نشاطا احتياليا أو ممارسة غير قانونية ولكنه في نفس الوقت يندرج تحت بند سوء الإدارة.
 

على الجانب الآخر، كان بإمكان أي مستثمر لديه قدر معقول من القدرة على قراءة البيانات المالية إدراك أن هناك شيئاً ما خطأ يجري في بند الحسابات الدائنة تحديداً. فالأرقام الموضحة بالجدول السابق تكاد تنطق وتقول للمستثمر تعال واكتشفني.
 

فالزيادة البالغة نحو 3 مليارات دولار والتي شهدها بند التدفقات النقدية التشغيلية في عام 2001 كان يجب معاملتها على أنها زيادة غير قابلة للتكرار، أي لم يكن بوسع الشركة البناء عليها لأنها مصطنعة أصلاً ومجرد نتاج للمماطلة في الدفع للموردين.
 

 

وعلى هذا الأساس أي مستثمر حصيف لم يكن ليفاجأ أبداً بالتراجع الكبير الذي شهدته الـ(CFFO) لأنه يدرك أن عجز الشركة عن الاستمرار في استخدام تلك الحيلة هو السبب الرئيسي وراء تدهور تدفقاتها النقدية.
 

ولهذا ننصح المستثمرين بالانتباه جيداً إلى أي زيادات كبيرة ومشبوهة قد تطرأ على بند الحسابات الدائنة وخصوصاً إذا لم يكن هناك تغير كبير في بند تكلفة المبيعات، لأن هذا قد يعني أن الشركة أطالت المدة التي تدفع خلالها للموردين.
 

وفي هذه الحالة يجب أن تدقق في الأرقام لكى ترى إلى أي مدى أثرت تلك الزيادة على التدفقات النقدية التشغيلية، ويجب أيضاً أن تدرك أن تلك الزيادة غير مستدامة ولا تعبر بأي حال عن تحسن الأداء التشغيلي للشركة.
 

 

بالعودة إلى قصة "نارديلي" وشركة "هوم ديبوت"، نجد أن الشركة استمرت في التدهور وخسرت أغلب حصتها السوقية بسبب ممارساته التي اشتملت إلى جانب ما سبق تفرده بالقرار عن المجلس التنفيذي وعدم اهتمامه بخدمة العملاء ورفضه خفض راتبه ومكافآته الضخمة، لتتم إقالته في يناير 2007 ولكنه خرج وفي يديه تعويضات إجمالية قدرها 210 ملايين دولار.
 

وفي عام 2009، صنفه موقع "بورتوفوليو دوت كوم" كأحد أسوأ المديرين التنفيذيين الأمريكيين في التاريخ.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.