محللون لـ أرقام: تنويع الأسواق وخفض العملة استراتيجيات الصين لمواجهة حرب الرسوم
قال محللون استطلعت "أرقام" آراءهم، إن تصاعد الرسوم الجمركية المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين ينذر بمزيد من التباطؤ الاقتصادي واضطرابات في سلاسل التوريد العالمية.
وأضافوا أن الأسواق المالية باتت أكثر عرضة للتقلبات الحادة مع كل تطور جديد في مسار النزاع، وسط تراجع شهية المخاطرة وتوجُّه السيولة نحو الأصول الدفاعية.
وفي المقابل، رجّحوا أن أي تهدئة في وتيرة الصراع التجاري قد تمهّد الطريق أمام انتعاش اقتصادي يعزز ثقة المستثمرين ويدفع نحو زيادة الإنفاق المحلي والدولي.
من زاوية أخرى، يشير المحللون إلى أن ميزان التجارة يميل لصالح الصين، نظراً لاعتماد الولايات المتحدة الكبير على منتجاتها، وقد تبنت الصين استراتيجية لتقليل تبعيتها للسوق الأمريكي من خلال تنويع أسواقها واستخدام أدوات مالية مثل خفض عملتها لتعويض تأثير الرسوم الجمركية.
حالة الأسواق الصينية
خالد العامري محلل ومستثمر في الأسواق الصينية
قال خالد العامري، محلل ومستثمر في الأسواق الصينية، إن بورصة هونغ كونغ شهدت أكبر تراجع يومي لها منذ أزمة 1997، بانخفاض حاد بلغ 13% في جلسة واحدة.
وأضاف أن البورصة تراجعت إجمالًا بنحو 9% منذ إعلان الرسوم الجمركية في أبريل 2025، ما يعكس قلق المستثمرين من آثار السياسات الحمائية.
لي شينغ المستشار الاستراتيجي في الأسواق المالية بشركة Exness
من جانبها أكدت لي شينغ، المستشار الاستراتيجي في الأسواق المالية بشركة Exness، أن الأسواق الصينية شهدت تقلبات خلال الأسبوعين الماضيين، رغم تعافي مؤشر شنغهاي المركب بعد إعفاء بعض المنتجات التقنية من الرسوم الأمريكية.
وأضافت أن التوترات التجارية تصاعدت بسبب الرسوم الأمريكية الجديدة والإجراءات الصينية المضادة، ما أثار مخاوف من آثار اقتصادية طويلة الأمد، مبينة أن ارتفاع الصادرات في مارس الماضي كان مؤقتًا نتيجة تسارع الشركات في الشحن، بينما يعكس تراجع الواردات تحديات مستمرة، مشيرة إلى أن السوق لا تزال تحت الضغط وقد تحتاج إلى دعم حكومي إضافي.
القطاعات الأكثر تأثراً
قال العامري إن التأثيرات الفعلية على أرض الواقع لا تزال غير واضحة بسبب التغيرات اليومية في السياسات الجمركية، إلا أن بعض المؤشرات بدأت بالظهور خاصة في السوق الأمريكي، حيث تضررت شركات تعتمد في إنتاجها على مصانع في الصين أو فيتنام، مثل "نايكي" و"لولوليمون"، اللتين سجلتا أدنى تقييمات لهما خلال العقد الماضي.
وأوضح أن شركات التكنولوجيا الأمريكية تأثرت بشكل ملحوظ بسبب اعتمادها الكبير على سلاسل التوريد العالمية، إلى جانب تقييماتها المرتفعة المبنية على توقعات بنمو قوي في المستقبل، مضيفًأ أنه مع تصاعد المخاوف من دخول الاقتصاد في حالة ركود، بدأ السوق يعيد تقييم تلك التوقعات، ما أدى إلى تراجع أسعار أسهم شركات النمو.
وأشار إلى أن بعض القطاعات الدفاعية، مثل شركات الرعاية الصحية والسلع الاستهلاكية الأساسية، سجلت ارتفاعات مؤقتة، معتبراً أن هذا الأداء الإيجابي يرتبط بعاملين أساسيين: الأول أن هذه الشركات كانت تُتداول بتقييمات دون قيمتها العادلة قبل اضطرابات السوق، والثاني أنها تُعد خيارًا مفضلاً للمستثمرين الباحثين عن ملاذ آمن وسط التقلبات والمخاوف من الركود.
وأكدت شينغ أن قطاع التكنولوجيا كان من بين الأكثر تضررًا بسبب الرسوم الجمركية الأمريكية، مشيرة إلى أن إعلان إدارة ترامب عن إعفاءات من الرسوم المرتفعة على الواردات الصينية من الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر وغيرها من الأجهزة الإلكترونية خفف من الضغط على شركات كبرى مثل "آبل" التي تعتمد بشكل كبير على التصنيع في الصين.
وأضافت أن القطاع لا يزال يواجه زيادات في الأسعار واضطرابات في سلاسل التوريد، خاصة في مجالات مثل بناء مراكز البيانات والأجهزة. وأوضحت أن بعض المكونات مثل أشباه الموصلات قد تخضع لرسوم جديدة، ما قد يؤثر على الشركات في كلٍ من الولايات المتحدة والصين.
مستويات السيولة في السوق الصينية
ترى شينغ أن الصين قد تواجه صعوبة في جذب والحفاظ على الاستثمارات الأجنبية إذا استمرت التوترات التجارية في التصاعد، مشيرة إلى أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة تراجعت في عام 2024، وواصلت الانخفاض في أوائل 2025 بانخفاض سنوي نسبته 20.4%.
وذكرت أن شهر مارس شهد خروجًا صافياً بقيمة 17.1 مليار دولار من أسهم وسندات الأسواق الناشئة، كانت الحصة الأكبر منها من الأسهم الصينية، إلى جانب خروج 6.7 مليار دولار من السندات الصينية، وذلك نتيجة تصاعد المخاوف من الرسوم الجمركية وحالة عدم اليقين العالمية.
القطاعات المرشحة للصعود
ترجّح شينغ أن عدداً من القطاعات الصينية قد يكون في موقع جيد رغم التوترات التجارية الحالية، من بينها السيارات الكهربائية، وأشباه الموصلات، والتجارة الإلكترونية، والروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي. وتشير إلى أن شركات رائدة مثل BYD وNIO وSMIC وعلي بابا وتينسنت قد تستفيد من مزيج من الطلب المحلي القوي، والابتكار، والدعم الحكومي المستمر.
وتوصي المستثمرين بالتركيز على القطاعات المدعومة من الحكومة الصينية، والشركات التي تولي أهمية للبحث والتطوير والاستقلال التكنولوجي، والتي تتمتع بحضور محلي قوي ولا تعتمد على التكنولوجيا الأمريكية أو سلاسل توريد مركّزة، لاسيما الشركات التي تتوسع في الأسواق الناشئة.
وفي السياق نفسه، يرى العامري أن بعض الشركات الصينية، رغم اعتمادها على السوق المحلي وعدم انكشافها على الأسواق الخارجية مع تمتعها بمتانة مالية، تأثرت بموجة الهبوط العام في السوق، بما في ذلك شركات في قطاعات دفاعية قد تمثل فرصًا استثمارية في ظل التقلبات الحالية. لافتًا إلى أن الأزمات كثيرًا ما تخلق الفرص مستشهداً بأن كلمة "أزمة" في اللغة الصينية تتكوّن من جزأين "خطر" و"فرصة".
ونصح العامري المستثمرين بالتركيز على العناصر القابلة للقياس لدى الشركات، مثل: جودة الأعمال، وجاذبية التقييم، وإمكانات النمو الطويل، مؤكدًا أن هذه العوامل نادرًا ما تجتمع إلا خلال فترات الأزمات والتقلبات الكبيرة وأن استغلال فترات هبوط الأسواق لبناء مراكز طويلة الأجل هو ما يميز المستثمر الناجح.
سناريوهات المستقبل
قالت شينغ إنه في حال تراجع الصراع التجاري، فإن أفضل سيناريو للسوق الصيني يتضمن انتعاش الصادرات، وزيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي، مما يعزز ثقة المستثمرين. هذا قد يسهم في ارتفاع الاستثمارات الأجنبية وزيادة الإنفاق المحلي، خصوصًا مع الدعم الحكومي للاستهلاك واستقرار سوق العقارات. كما قد يساعد في تخفيف الضغوط على قطاع التكنولوجيا، مما يعزز قدرته على دمج الابتكار المحلي مع التكنولوجيا الأجنبية.
أما في حال تصاعد التوترات، فإن أسوأ السيناريوهات قد يشمل تباطؤًا اقتصاديًا، وزيادة في الرسوم الجمركية، بالإضافة إلى ردود فعل تجارية انتقامية. هذا قد يضعف سلاسل التوريد العالمية، ويزيد من التحديات في سوق العقارات، ويؤدي إلى اضطراب في القطاعات التكنولوجية، مما يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي، وبخاصة على الشركات المصدرة إلى الصين.
في المقابل، قال العامري إن إطالة فترة المفاوضات ليست في مصلحة أي طرف، حيث بدأ العديد من الشركات بتخفيض الإنفاق الرأسمالي وتقليص عمليات التوظيف تحسبًا لسيناريو ركود محتمل قد يرفع تكاليف سلاسل الإمداد ويُخفض المبيعات، خصوصًا في الأسواق المتأثرة بالتعريفات الجمركية كالصين وغيرها.
وذكر أن إدارة الرئيس ترامب لجأت إلى إصدار إعفاءات جمركية مؤقتة مدتها 90 يومًا لتجنُّب أي أضرار اقتصادية فورية، إدراكًا منها بأن المفاوضات التجارية معقدة وستحتاج إلى مزيد من الوقت للوصول إلى تسويات واضحة.
وأضاف أن من أبرز المخاطر التي قد تُعقّد المشهد الاقتصادي العالمي، ظهور بوادر تحالفات تجارية بين الدول المصدّرة، مثل الصين وفيتنام، لمواجهة السياسات الحمائية للدول المستوردة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
وتابع أنه قد تستخدم واشنطن الرسوم الجمركية كأداة تفاوضية للضغط على الاتحاد الأوروبي من أجل تشكيل جبهة موحدة ضد الصين، وهو ما قد يطيل أمد المفاوضات ويزيد من عدم اليقين في الأسواق.
ويرى أن التصعيد التجاري قد يدفع نحو ركود اقتصادي قصير المدى، ما سيُجبر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على خفض أسعار الفائدة بشكل سريع كما حدث خلال أزمة كوفيد 19. خاصةً في ظل حاجة واشنطن لإعادة تمويل نحو 7 تريليونات دولار من السندات خلال ستة أشهر، إذ إن أسعار الفائدة الحالية نحو 5% تعني كلفة سنوية مرتفعة لهذه الديون تقارب 350 مليار دولار، وفي حال تخفيض الفائدة إلى 0.5% فإن التكلفة ستتراجع إلى 35 مليار دولار فقط، ما يُخفف عبئاً كبيرًا على الإنفاق الحكومي.
ويشير العامري إلى أن ارتفاع التضخم يصب في مصلحة حاملي الديون والسندات، كحال الولايات المتحدة، إذ يُخفّض تدريجيًا من القيمة الحقيقية للديون بمرور الوقت. فعلى سبيل المثال، إذا وصل معدل التضخم إلى 5% سنويًا، فإن القيمة الفعلية للسندات ستنخفض بنفس النسبة كل عام.
وفي ضوء هذه المعطيات، يتساءل العامري: هل تستخدم واشنطن التعريفات الجمركية وارتفاع الأسعار كأداة لدفع الاقتصاد نحو ركود تضخمي مدروس يخدم أهدافها المالية والاستراتيجية؟
الكفة للصين
قال العامري، إن ميزان التجارة يميل بوضوح لصالح الصين، إذ تستورد الولايات المتحدة ما يفوق 450 مليار دولار من السلع الصينية، مقابل نحو 150 مليار فقط تصدّره إلى الصين، ويعكس هذا الفارق الكبير عمق الاعتماد الأمريكي على المنتجات الصينية.
وأشار إلى أن الصين انتهجت منذ 2018 سياسة تقليل التبعية للسوق الأمريكي، فخفضت نسبة صادراتها إليه من 19.2% إلى 14.7% بحلول 2024، ووسّعت حضورها في أسواق بديلة خارج مجموعة السبع، التي تراجعت حصتها من صادرات الصين من 48% في عام 2008 إلى نحو 30% في العام الماضي، مضيفاً أنه ورغم الضغوط ارتفعت حصة الصين من الصادرات العالمية إلى 14% مقارنة بـ 13% خلال فترة ترامب الرئاسية الأولى، وسجلت فائضًا تجاريًا قياسيًا تجاوز تريليون دولار لأول مرة.
وأوضح أن الرد الصيني اتسم بالانتقائية والاتزان، فشمل رفع رسوم جمركية مماثلة، واستهداف قطاعات حساسة سياسيًا مثل الزراعة التي تمثل قاعدة انتخابية كبيرة لترامب، إلى جانب فرض قيود على تصدير المعادن النادرة المستخدمة في صناعة الرقائق الإلكترونية، والتي تهيمن الصين على نحو 90% من إنتاجها العالمي.
كما أفاد أن شركات صينية نقلت جزءًا من مصانعها إلى دول مثل المكسيك وأوروبا، ما سيخفّف من تأثير الرسوم الجمركية ويضمن استمرار الوصول إلى الأسواق الدولية. كما استخدمت الصين أدوات مالية، مثل خفض قيمة العملة لتعويض أثر الرسوم، مبينًا أن خفض عملة اليوان بنسبة 10% يجعل الصادرات الصينية أرخص بنفس النسبة، وبها يُعادل تأثير رفع الرسوم الجمركية ويحد من التأثير على حجم الصادرات.
وأضاف أن ترامب رغم حدة تصريحاته، يُعد مفاوضًا استراتيجيًا، فكتابه الشهير The Art of the Deal يعكس فهمه العميق لفن التفاوض، وبحكم خلفيته كرجل أعمال في قطاع التطوير العقاري، يدرك جيدًا التكاليف الاقتصادية لأي تصعيد غير محسوب، ما يُرجّح توجهه نحو تسوية تحقق مكاسب سياسية واقتصادية في الوقت نفسه، دون المساس بتوازن التجارة العالمية.
تعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}

تحليل التعليقات: