نبض أرقام
12:18 م
توقيت مكة المكرمة

2024/10/30
2024/10/29

"يشتري غاليا ويبيع رخيصا".. أسهل طريقة لخسارة الأموال في سوق الأسهم

2019/07/27 أرقام - خاص

لا شك أن السير "إسحاق نيوتن" يعد واحداً من أذكى البشر على الإطلاق. ولكن ذكاءه الاستثنائي هذا لا يعني بالضرورة أنه باستطاعته أن يكون مستثمراً ذكياً. ولسوء حظه أدرك "نيوتن" تلك الحقيقة بالطريقة الصعبة، بعد خسارته لجزء كبير من أمواله في سوق الأسهم.
 

 

قصة "نيوتن" في سوق الأسهم، استدعت اهتمام المستثمر البريطاني الشهير وهو أبو علم التحليل المالي "بنيامين جراهام"، ما دفعه إلى ذكرها في كتابه الغني عن التعريف "المستثمر الذكي". وربما يكون من المفيد رواية هذه القصة للتعرف على الدرس الذي تعلمه "نيوتن" والذي ربما أصبح أكثر قيمة في القرن الواحد والعشرين منه في القرن الثامن عشر.
 

"بحر الجنوب"
 

في عام 1720 شهدت أسعار أسهم شركة "بحر الجنوب" قفزات قياسية على خلفية قبول البرلمان البريطاني لاقتراح عرضته عليه الشركة تلتزم بموجبه بسداد الدين الوطني البريطاني في مقابل إعطائها حق احتكار التجارة في مناطق البحر الكاريبي وأمريكا اللاتينية وجزر المحيط الهادئ.
 

بمساعدة الشائعات والدعاية والرشوة، نجحت إدارة الشركة في رسم صورة غير حقيقية حول مستقبل الشركة في أذهان العامة، مما ساهم في تأجيج أنشطة المضاربة على السهم الذي ارتفع سعره من 128 جنيها إسترلينياً في يناير 1720 إلى 330 إسترلينياً في مارس قبل أن يصل إلى 550 جنيهاً في نهاية مايو.
 

 

بحلول أغسطس من نفس العام وصل سعر السهم إلى أكثر من 1000 إسترليني، وسط الارتفاع المهول في حجم الطلب على السهم. فحتى أولئك غير القادرين على شراء السهم تم تشجيعهم من قبل السماسرة المتفائلين والمحتالين على الاقتراض والاستثمار بالشركة.
 

لكن لم يمر الكثير قبل أن يأتي شهر سبتمبر ومعه أخبار سيئة للجميع. انهار السوق وفقد السهم غالبية قيمته السوقية، قبل أن يستقر سعره عند 124 جنيهاً بحلول ديسمبر. خسر معظم المستثمرين ثرواتهم وأمرت الحكومة البريطانية بفتح تحقيق في الحادثة، أظهر لاحقاً تورط ثلاثة وزراء على الأقل في أنشطة مضاربة مشبوهة وقبولهم للرشاوى.
 

التوقيت هو كل شيء
 

بالعودة إلى السير "إسحاق نيوتن" نجد أن العالم البريطاني الشهير تورط كغيره في أنشطة المضاربة على ذلك السهم، حيث لم يستطع منع نفسه من الاستثمار في الشركة التي كان شاهداً على الارتفاع السريع لأسعار أسهمها، بعد أن اعتقد أنها فرصته في تحقيق ثروة هائلة في لمح البصر.
 

في فبراير من عام 1720، دخل "نيوتن" إلى السوق واستثمر بعض أمواله في سهم "شركة الجنوب". وبعد حوالي شهرين تقريباً قام "نيوتن" ببيع حيازاته محققاً أرباحاً قدرها 7 آلاف إسترليني، أو عائداً قدره 100% على استثماره الأصلي.
 

 

لكن بعد أشهر قليلة سيطرت الحماسة على "نيوتن" الذي كان يراقب الارتفاعات الجنونية التي شهدها سعر السهم في ذلك الوقت وهو ما دفعه إلى الدخول مرة أخرى وشراء أعداد أكبر من ذلك السهم. ولكن ما لم يدركه "نيوتن" حينها هو أنه اشترى السهم وهو في قمته تقريباً.
 

لم يمر أكثر من شهرين قبل أن ينهار سهم الشركة، ليعود "نيوتن" مرة أخرى ويبيع السهم وهو بالقرب من القاع ليخسر في هذه المغامرة حوالي 20 ألف جنيه إسترليني، وهو المبلغ الذي يعادل ملايين الدولارات بحسابات اليوم. ووفقا لما ذكره "بنيامين جراهام" منع "نيوتن" أي شخص من ذكر اسم "بحر الجنوب" في حضوره لبقية حياته.
 

من رحم هذه التجربة القاسية خرجت عبارة "نيوتن" الشهيرة: "يمكنني حساب حركة الأجرام السماوية وليس جنون الرجال".
 

لا تنضم إلى الحفلة متأخراً
 

تجربة "نيوتن" لا تختلف كثيراً عما نشاهده في كثير من أسواق المال هذه الأيام. فعالم الفيزياء الشهير الذي وضع أسس حساب التفاضل والتكامل وتصوراً لقوانين الجاذبية والحركة الناشئة لم يكن مستثمراً ذكياً لأنه سمح لعواطفه أن تؤثر على عقلانية قراراته وهو ما كلفه جزءا كبيرا من ثروته.
 

يعتمد النجاح في سوق الأسهم بشكل أساسي على قدرة المستثمر على الإجابة بشكل صحيح عن سؤالين بسيطين، أولهما: ما هي الأسهم التي يجب أن أشتريها؟ وثانيهما: إلى متى يجب أن أحمل هذه الأسهم؟ ولكن رغم بساطتهما الظاهرة إلا أنه من الصعب الإجابة عنهما.
 

هناك استراتيجية شهيرة يتبعها عدد غير قليل من المستثمرين وخصوصاً حديثي العهد منهم بالسوق وهي ملاحقة الأسهم التي تشهد أسهمها ارتفاعات معتبرة، والاستثمار فيها على أمل أن تستمر هذه الارتفاعات، وهو ما قد يحقق لهم مكاسب كبيرة.

 

 

لكن النقطة الخطيرة التي لا ينتبه إليها هؤلاء في كثير من الأحيان هي التوقيت. بمعنى أن هؤلاء في أغلب الأحيان ينضمون إلى الحفلة متأخرين، وهو ما يعني أن السهم بالقرب من قمته تقريباً، وأن الاتجاه المنطقي الذي سيأخذه في المستقبل القريب هو الهبوط نحو الأسفل.
 

"الشراء عند القمة والبيع عند القاع" هذه هي أفضل وأسهل طريقة لخسارة الأموال في سوق الأسهم. والمثير للسخرية، هو أن من يبيعك الأسهم التي تذهب لشرائها وهي بالقرب من قمتها هم مستثمرون كانوا قد اشتروا هذه الأسهم عند مستوى سعري منخفض.
 

هم يخرجون من الباب وفي جيوبهم الكثير من المكاسب وأنت تلحق بهم من الشباك بمجرد أن يهبط سعر السهم، بعد أن تبيعه تحت تأثير الخوف والهلع. ولذلك نقول لك، كن صبوراً وانتقائياً في ما تشتريه ولا تشترِ سهماً عليه حالة هياج.
 

لكن الكلام دائماً أسهل من الفعل. فكما قال المصرفي والسياسي البريطاني الشهير "صامويل جونز": "لا يوجد أي تحذير على وجه الأرض يمكنه أن ينقذ أولئك المصممين على أن يصبحوا أثرياء فجأة".

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.